سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
* من وحي انتشار ظاهرة الزهو عندنا في طلب المساواة للمرأة..
"النساء اللاتي يصدقن أو يناضلن من أجل المساواة بالرجل.. ينقصهن الطموح."
لطالما استعدت تلك القناعة وأنا أرى آثارَ هذه المساواة بين المرأة والرجل، ولم أر مجافاة لطبيعة الفسيولوجيا البشرية مثل ما قامت به بعض النساء، أو من يدعون أنهم مناصروهن من الرجال، في الحماسة المندفعة التي تريد أن تعسف ما لا يُعسف في الأصل والطبيعة، وإن حقّ لهن، ولهم، هذا العسف، فقد جاء يحمل ضريبة باهظة من المهانة، وأول من يتأذي منها المرأة.. بل إنها لا تؤذي إلا المرأة .
ولقد شاهدت من المناظر الواقعية ما يجعلني في سري وعلني أشتد في لوم العقول التي قادت المرأة إلى متاهات المساواة. رأيت طابورا في بلد متطور في شرق آسيا، فتاةً في طابور تنتظر حافلة مع الرجال وغيرها من النساء. فجأة، صرخت الفتاة لأن الرجل الوقح خلفها لم يتفهم المساواة ورأى إغراء لم يقاومه فراح يتحسسه. على أن المرأة لما صرخت احتجاجا وثارت في وجه المتنمر الوقح بادرها بصفعة مدوية ألقتها أمتارا خارج الطابور، ولكن عضلات جسمها لم تكن مهيأة لفهم المساواة، فلجأت إلى تصرف تعرفه جيدا وهو.. البكاء!
وقد رأيت المساواة وكيف صار حال المرأة، وأنا أقرأ جريدة إنجليزية عن قضايا المحاكم فإذا معظمها مقامة من طرف النساء من جراء الممارسات الفاضحة في أجواء العمل والحياة اليومية المتساوية، والتي عاندت نساءٌ بصلابة الحجر الصلد كل ما حاولت وظائفهن الطبيعية أن تعلمهن إياه، فانتهت المرأة إلى ضحية كل يوم من أيادي الذكور المسعورين التي تمتد وتمتهن كل كرامة وحياء، ولا تسمح المساواة (طبعا) بأن تعمد المرأة إلى الردّ بالمثل، كأن تقرصَ الرجلَ في جسده إن قرصها في جسدها .. وإن فعلت، فستكون الخاسرة في الحالتين!
في رأيي أن في طلب المرأة المساواة بالرجل، إنما هي تظلم رفعتها وسموها على الرجل .. المرأة أرقى فسيولوجيا من الرجل وهي التي تحتضن الحياة، وأُعِدّ جسدُها كي يكون أرضا خصبة بأجهزة تفوق تطورا ما عند الرجل، والمرأة لديها طاقات من الحب والتكريس والعاطفة السامية لا يمكن أن يتخيلها الرجل، وهذه الطاقات الأنثوية العليا هي المولدات التي تسيّر العالم.
لو تمعنت بحق يوما في حال الزوجة في بلادنا لتعجبت كيف يكون الحب طاقة منتجة لا تعرف التواني ولا التخاذل حتى وهي موظفة. معظمنا لا تقيم بيوتهم إلا النساء ولولاهن لضعنا مع أولادنا حقا. وأتعجب من أين تحصل المرأة على هذا المنبع الأسطوري من الطاقة، فالمعلمة – مثلا - بعد يوم مرهق، أول ما تلقي عباءتها، حتى تبدأ بأمور المنزل، وأمور الزوج، وأمور الأولاد من تدريس كل واحد وواحدة على حدة حتى تضعهم على الفراش، ولا هي تتأفف. ثم تقوم باكرة لتبدأ مولداتها من جديد بينما الجميع نيام.. من مِن الرجال يستطيع فعلا أن يقوم بذلك؟ .. إذن كيف يطلب الأعلى المساواة مع الأقل درجة..المساواة لا تخسر فيها إلا المرأة فلا هي تغادر جسدها وهرموناتها، ولا هي تـُقبل صنوا للرجال.. ومتى خسرت المرأة، خسرنا كلنا!
هل تراني أقول إن المرأة يجب عليها القيام بأعمال المنزل، وألا تتولى طرق التعلم والتخصصات العملية والعقلية، لا، لم أقل ذلك. فللمرأة أن تبحر في مسالك العلوم، وهي أثبتت ذلك، وتفوقت.. ولكنها في مثالنا السابق – وفي مواقف غير نادرة في العالم - تقوم باختيار طوعي وغريزي (نظير رقي عاطفتها وإحساسها المسؤول النابع من غريزة سامية) أن تباشر تربية الأطفال، وحمل أعمال المنزل الجسام.. وهي جسام فعلا! النقطة التي أحرص على إبرازها هنا: متى تخلت المرأة طوعا (أو أنه ليس طوعا، بل هي تحارب كل خلية بطبيعتها) عن تلك النزعة الأنثوية التلقائية لحاقا بالرجل كما تظن، فهي تهوي انزلاقا عن الرجل بدرجات.. وهذا ثابت إلى اليوم في كل المناخات التي تتيح خيارات المساواة المطلقة.
.. ليست المساواة حقا عادلا للنساء، بل إعطاؤهن حقوقهن الشرعية كاملة غير منقوصة. ومن مساندة خالصة للنساء أقول: بدل المساواة المهينة، كافحن كمجموعات نسائية من أجل الحصول على الحقوق كما خصصها لكن القانون الرباني .. وأن تناضلن من أجل أن ُيكشف عن قصص العذاب والسلب والامتهان التي تتعرض لها المرأة .. وهذا الذي جعلني أشكر كل امرأة عاملة اجتماعيا في سبيل صلاح الأسرة مثل السيدة نعمت التركي التي تعمل على مشروع لمعالجة قضايا المطلقات.. هنا قوة النساء، وهي قوة لا تعرف المهادنة ولا النضوب. وعلى الرجال الذين يريدون فعلا حمل صفة الرجولة أن يعينوهن في إعادة الحقَّ إلى مستحقـِّيه.
أترون القصد من القول إن أي امرأة تريد المساواة مع الرجل تعاني من قلة طموح؟ لأنها أفضل كما هي.. كما أراد لها الله أن تكون.
والإصرار على النزول مرتبة تتعدى قلة الطموح، لتكون.. قلة عقل!