يا للهول.. البحر الأحمر صحراء؟

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

* عنوان في الشرق الأوسط أعجبني لأنه بجملة واحدة عبر عن حالة شعب كامل: أن الملك عبد الله "شطب" مبالغ كبيرة بأسعار الوقود عن كاهل الناس.. وهذه حقيقة! واستخدام اللفظ "شطب" معبرة وجميلة، لأن كل ما تدفعه في المستقبل للآخرين إنما هو يجري في حساب الديون، فإذا كان حساب الفرد من الناس مائة ريال للوقود شهريا فإن العاهلَ شطب عنه نحو الثلاثين ريالا ولك أن تضرب هذا المبلغ في مليونين ونصف أو ثلاثة ملايين.. الناتج هو ما شطبه العاهل عن الناس، بعد أن أنشرطت عقول الناس وجيوبهم جراء حُمّى الأسهم.. إن التوقيت كان رائعا، وكان سريعا.. وكان ناجعا.

***

* في حفل تكريم المبدع السعودي "عدنان العوامي" في قاعة "الملك عبد الله في القديح"، كنت من ضمن الذين ألقوا الكلمات في المناسبة، ثم استلم المنصة صديقنا الحبيب "محمد سعيد الطيب"، وأراد أن يثني علي، إلا أن قلبه لم يطاوعه بدون أن يصفني هكذا:" نجيب الزامل صديقي اللدود". وأجدها مناسبة للحديث عن وفاء هذا الرجل لمحبيه وأصدقائه فهو حضر جوا إلى القطيف من جدة وعاد في ذات الليلة لمجرد الوفاء، وهذا الذي يجعله، كما أصفه: "إمبراطور العلاقات الاجتماعية". ولكن هل السيد الطيب، طيّبٌ حقا؟ كل ما أقول، إنك لن تجد صديقا مثل هذا الرجل، فهو يكفيك الحاجة.. للأعداء!

***

* وفي مجلس أبي الشيماء لما وقف الرجل الفذ الآخر وهو صاحب واحد من أكبر الصوالين في البلاد السيد عبد المقصود خوجة أمامي، وهو يودعني ويدعوني لضيافته، أُخذت. كنت ألاحظه جالساً بنبلٍ ملحوظ، وأناقة لا فتةٍ، مستندا بأنفة مشهدية على عصاه الموشى بفنّ دقيق, ويلقي الرأيَ بصوت لا يعلو ولا ينخفض تساعده نبرات تكوِّن الحروفَ بتنضيدٍ واضح. وستجد أن ملامحه موسومة بتناسق هندسي، وأن قامته الناهضة - رغم العصى - تؤقلم إهابه الأنيق. وهو واقف قبالتك تجد أنك مأخوذ بالجاذبية اللحظية التي تذهلك لوهلة قبل أن تصمد أمامه. الجميلُ، أن في مجلسٍ واحد التقى جناحا جدة الاجتماعيان.. صاحبا أنجح صالونين في المدينة، إن لم يكونا في البلاد. وسأحدثك عنهما يوما، لأنهما الصالونان الوحيدان الذان يأخذان الصبغة، والطبيعة الشخصيتين لصاحبيهما.

***

* وبجانبي في الصالون العتيد، جلس الدكتور"علي عشقي"، وهو خبير بيئي يمضُّهُ ما يحصل من مآسٍ بيئية في مدينته جدة، ولقد فسّر لنا بصوته الجهوري كثيرا من مظاهر وحلول مشاكل التلوث البيئي. وهو عندما يتحدث، ينقل القضية إلى كتفك وكأنه يحملك أنت المسؤولية أيضا، لأنه لا يتكلم بنبرة أكاديمية، ولكن تماما مثل من يعاني مشكلة مع أبنائه في منزله.. فتراه يتأوه، ويتحرك على كرسيه ويندمج حتى يستغرق تماما في موضوعه. وقال الدكتور عشقي معلومة لفتتني جدا، فهو يسمي البحر الأحمر بالصحراء الزرقاء.. لماذا يا دكتور؟ "تصورا" يقول لنا، وهو يحرك جسده بعيدا عن كرسيه، ويتهدج صوته: " إن نسبة الحياة في هذا البحر لا تتعدى الـ 2 في المائة". نعم، تصوروا! هذا الرجل لا بد أن يسمعه أحد... لا بد!

***

* ويكتب الدكتور "عبد الله حريري" في "الاقتصادية" يوم السبت 29 نيسان (أبريل)، مقالاً بعنوان (ولكن مناقيرهم من حديد) ويتحدث عن: "المفارقات الغريبة في بلدنا في أن الدولة منقسمة إلى قسمين قسم مع تشجيع المستثمرين وعلى رأسهم الملك عبد الله.. وقسم آخر يطفش ويضيق على المستثمرين ويلفون ويدورون على الأنظمة ويخترعون أنظمة وقوانين وعقوبات تعزيرية "على كيفهم (!)" - والتعجب من عندي وليس من الدكتور الحريري- ثم يصف هؤلاء المسؤولين هكذا:" معيار المواطنة يزداد لديهم أكثر منك ( يعني أنت وأنا وهو) .. ويظهرون إعلاميا حمائم ولكن خلف الكواليس.. دجاج! - مرة أخرى، التعجبُ من عندي -. ونقول للدكتور الحريري هل سيعرقل هؤلاء المسؤولون استثمارا لمصنع دواءٍ لمكافحة.. إنفلونزا الدجاج؟!!

***

* بينما يكتب لـ "الاقتصادية" الأستاذ صالح الشهوان مقالا ساخرا بعنوان "الأسهم والجنس"عن مدى تحكم الأسهم في أذهان الناس وحديثهم، فيكتب:" سيطرت كلمة الأسهم على الصغير والكبير، على فئة النقي وغير النقي، وعلى رؤساء المجالس، وباعة الأكشاك والبليلة وعلى الربعيات والطقاقات.. كسر الكتابُ والشعراءُ والروائيون والنقادُ أقلامَهم واستعاروا كتاب الهجاء الجديد عن الأسهم.." ثم يتساءل: " ألم تحدث فينا كلمة الأسهم غوايتها كما فعلت بنا كلمة الجنس؟".. نقترح، بناء على هذا المقال، أن يُمنع دخول سوق الأسهم لمن هم أقل من 18 سنة!

***

* كتاب الجمعة: هذه قصة واقعية مذهلة كتبها صاحبها في أجمل ما قرأت باللغة الإنجليزية إمتاعا ولفظا وأسلوبا وتعبيرا ووصفا. والقصة اسمها "شانتارام" Shantaram والمؤلف أسترالي اسمه جريجوري دافيد روبرتس. والطريف أن جريجوري هذا مجرم مدان بجرائم كبيرة ثم هرب من سيدني إلى الهند، حيث انتحل شخصية رجل نيوزيلندي، وتعرف على حمّالٍ هندي صار مرشده وصديقه، وعلى مجموعة من الغربيين والأفغان الهنود والإفريقيين الذين يتاجرون في العالم السفلي لمدينة بمباي الهندية. ثم تأخذك القصة لملاحظاته المذهلة على مجتمعات القاع وتحزبات الطبقات الأعلى في الهند.. لو أعطيك مثلا، ولكن بعيدا، لجريجوري هذا، فمن مدرسة "سومرست موم"، مع واقعيةٍ أشد، ووصفٍ أغنى، وملاحظاتٍ أدق.. ومواهبٍ روائيةٍ فوق المعتاد، ولا يكفي المكان لأعطيك مثالا لتجاربه الغريبة في المدينة التي تعتبر بوابة الهند. مجرمٌ هاربٌ يكشف عن أبرع قصصيٍّ واقعيٍّ عرفته حتى الآن.

***

* (كذا الحكام ولا بلاش(! - المواطن "ظاهر الجمعان" برسالة إلكترونية لجريدة "الرياض"، واصفاً الملك عبد الله.