سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
ولكن مهلا حتى لا تذهب بعيدا.. فقصدنا تأهيل شبابنا روحيا، وجسديا، وأخلاقيا، وذهنيا .. وأحضرت مفردة "تجنيد" عامدا، لأن أي برنامج تأهيلي للشباب لن يجدي ويحقق المراد إن لم يكن ضمن دائرة محكمة من الضبط والربط.. ولن يكون هذا إلا في روح الإدارة العسكرية التي تكون مظلتها الانضباط.. الانضباط في كل المناشط، وكل الأمور..
مشاكل الشباب تقاس خطأ، لأنها لا تقاس بعدل كامل فيما سيصيب الشباب، ولكن تقاس بأثرهم في تنغيص مجتمع الكبار.. حقيقة. فالكبار يريدون أن يعيشوا بهدوء، دون أي قلق أو انزعاج، وهم يريدون الشباب دمى جميلة، ومؤدبة، ومهذبة وساكنة، ومطيعة.. يعني أننا نسلب حياتهم من أجل حياتنا، أو نستلّ رحيقَ بهجة حياتهم من أجل وداعة وهناء حياتنا.. وكأن العالمُ مسرحاً فقط للكبار، يعدّونه، ويخرجونه، ويوزعون أدواره، ويتحكمون في نصوصه، وطريقة إلقائه.. أما الشباب فهم يؤدون الدور محسوبا على منصة المسرح. وهذا ظلم سافر..لذا، يختنق الشباب، وهم يختنقون يطلبون الهواء، والهواء حق الحياة، فتخرج منهم حركات عصبية بإرادة أو بلا إرادة طلبا للحياة .. والغريب أننا نفسر ذلك أنه نزق، وقلة أدب .. وقد يكون في بعض تلك الأحكام صحة في الأخطاء الفاضحة، والتصرفات الخارجة.. أما بقية التصرفات، صدقوني، فهم مثلنا يريدون استنشاق الهواء.. يريدون حق الحياة!
والسؤال معلق الآن أمام الأمة، ليس ماذا يفعل الشباب لنا؟ بل ماذا يجب أن نفعل نحن للشباب؟ وما نفعله من أجلهم، لا من أجلنا؟ أن نكون أكثر تجردا، ونؤمن أنهم هم من ستستمر بهم الحياة بعدنا وكأنهم كما قال "جبران" في كتابه "النبي
The Prophet ": " أولادكم، وبناتكم، ليسوا أولادكم وبناتكم، بل هم أبناء وبنات الحياة.. وهي تتوق إلى نفسها" .. يعني أن الحياة تتعلق بالأبناء حتى تستمر، لأن الكبار أدوا الدور. أجد كلام جبران رغم صوفيته الحياتية يتيح ضوءا للقصد والمقصد.
ومن هنا، أنادي أن نجند أولادنا انطلاقا من هذا الغرض ليعيشوا حياتهم، ولكن أن يتعلموا كيف يحافظون عل هذه الحياة.. وهنا لا نتدخل في طريقة نظرتهم إلى الحياة، بل نستغل خبراتنا لتدريبهم على جودة استخدام طاقاتهم الحيوية في حياتهم.. يعني أنك لا تنازع أحدا على ماله، ولكن إن كنت خبيرا ماليا فإنك تعلمه وتشرف على طرائق استثماره هذه الأموال.. هذا ما نقصد تماما، ليس الوصاية والتحكم الكامل ولكن الإدارة والإرشاد.. لا نسلب منهم حياتهم، ولكن نعلمهم كيف يستثمرونها بالشكل الصحيح، حتى لا نتركهم يتخبطون وهم يبحثون عن الحياة.. ولكن كيف؟
ألم نتحدث عن الخبير المصرفي الذي يستثمر مالا ليس له ولكن لينميه لشخص آخر.. وحتى يمكن للخبير المصرفي أن يمارس خبرته فهو يحتاج مصرفا.. أي ما نسميه في الطبيعة الإدارية بهيكلة النشاط المقصود بإيجاد منشأة واضحة الإجراء والتخصص والخبرة لإدارة النشاط وتحقيق الأهداف. وعليه إذن، أن نفكر في إيجاد هيئة خاصة ومستقلة وخبيرة وعاملة وفاعلة ضمن قاعدتنا الذهبية- أو سميناها عسكرية- في الربط والضبط. هذه الهيئة مهمتها: استثمار حياة الشباب من أجلهم – لا من أجلنا- وهذه هي القاعدة الاستراتيجية الأكيدة، وعنوان عمل الهيئة.. والبقية كلها تكتيك ليحقق أهداف القاعدة الاستراتيجية..
هذه الهيئة، حتى تنضبط من الخطوة الأولى، يجب أن تكون روحا ومعنى ترتبط بمعنى التجنيد أما بيانا جهارا، أو غرضا خلفيا أو قاعديا.. يعني أننا نحتاج إلى أنظمة لضبط الإيقاع السلوكي والزمني والبرامج.. ونحتاج إلى مخيمات أو بالأصح.. ثكنات. ثكنات؟ هل تريد جنودا؟
ليس بالضرورة جنودا، بل شيء أكثر من ذلك، وهذا "الأكثر من ذلك" من ضمنه صفة الجندي في الانضباط والرجولة والحزم المسلكي وتقدير تواتر النظام. إنها مخيمات يجب أن يكون فيها سعادة حياة الشباب ولكن في مراصدها الحقة، فالشباب طاقة. وقد لوحظ في ضعف الإقبال على التجنيد في الولايات المتحدة أيام الحرب مع فيتنام، بزوغ موجة الديسكو في الرقص العنيف، وهو تعبير عن الطاقة عند الشباب، أو أن الطاقة تتلمس مخرجا، ولا بد أن تجد المخرج وبأي وسيلة. إذن الشباب تحركهم الطاقة الآسرة رغما عنهم، حتى ولو لم ترد عقولهم أو ضمائرهم، فعلى هيئة التجنيد أن تتنبه إلى أن الشباب لن يتفرغوا روحيا ولا عقليا ولا مسلكيا ولا حتى رياضيا إن لم تتنفس الطاقة، ولها الحق في التنفس، ولكن هنا نجد حقنا في ضبط مخارج الطاقة فنحقق للشاب سعادة رحيق الحياة التي تتطلبها هذه الطاقة، ثم هذا الهدوء الذي يأتي بعد انصراف الطاقة لتتلقى النفس ويتلقى العقل ما يفيد في تغذية العقل والروح.. والجسد بالطبع. لن استمر أكثر لأن الفكرة، كما آمل، وضحت.
ونحتاج إلى الثكنات، لأن برنامجنا الذي زعمنا أنه لن تحسن إدارته بدون الضبط والربط يحتاج إلى أماكن مخصصة ومعدة ومجهزة لهذا الغرض.. لتمارين الجسد ومصارف الطاقة الحيوية، وقاعات التعلم، والورش، وتوقيت برامج اليوم.. ولمحاضرات الوعي الروحي ( ونحتاج هذا جدا.. جدا) والوعي المادي والعقلي والجسدي وإجابة الأسئلة الكبيرة عند الشباب: من نحن؟ ما دورنا؟ كيف نجد أنفسنا ونجد أدوارنا؟
الوقت: حتى لا يعتقد أننا نطالب بتجنيد نظامي، فإني أقترح أن تكون العطل الصيفية في الثانويات والجامعات هي الفترات التي يُفـَوَّجُ فيها الشبابُ إلى ثكنات هيئة التأهيل والإعداد لتكون حياة الشباب أزهى وأفضل وأسعد.. وأغزر إنتاجا.
أما كلمتي الأخيرة والتي كانت الأولى: من أجلهم.. لا من أجلنا!