رونالدو وزين الدين زيدان .. ما وراء الكرة

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

.. وأقصد برونالدو، هذا الشاب الوسيم الممشوق, وكأنه من أبطال أساطير الرومانس الأوروبية أيام زمان، الفتى الثروة البرتغالي "كريستيانو رونالدو" .. الذي أعاد اللاعبين الإنجليز، كما كان عنوان "الصن" البريطانية أمس، يرافقهم العار. وعنوان "الإندبندنت": "بماذا عدتم إلى البيت؟ ".. إنه الرجل الذي وقف وكأنه مارد تغطس قدمه في القنال الإنجليزي مطلا على الجزيرة البريطانية قبل اقتحامها، قبيل لحظات رميه الكرة القاتلة في مرمى الإنجليز. وما سمعت أبلغ من وصف هذه اللحظة من المعلق البريطاني المشهور "جيمي كاريجر" وهو يقول بنبرته المتهدجة وقد ضلت منها فخامة إيقاعها: "إنه مدفوع لنا مقابل أن نرى هذه اللحظة، وإلا لأشحت النظر أنا.. أيضا". قالها أمام أكثر من30 مليون بريطاني ومعظمهم كانوا يشيحون النظر. ثم انفجرت كرة الفارس البرتغالي الفتى .. وانهارت إنجلترا.

"زين الدين زيدان" زين نجوم فرنسا، ومن أفخم أبنائها، وولد فرنسا الفخورة المدلل، يخفق قلب "ماريان" من أجله (و"ماريان" هي المرأة الرمز لفرنسا).. هذا الرجل البربري الأصل من جبال الجزائر المقابلة جنوب الساحل الفرنسي، يجري في الملاعب من نحو عقدين يزرع الفخار والنصر للفرنسيس. زين الدين زيدان أثبت أن الفخار الوطني فوق العنصرية، أو أن الشوفينية العنصرية عند الأوروبي يتنازل عنها بسعادة بالغة أمام من يقدم له العزة الوطنية في أي مجال، ولو كان من المجاهل الإفريقية التي كانت تسمى بالأدبيات الفرنسية العالم المُظلـِم. زيدان الذي يجاور كتف رئيس فرنسا في إفطار بالقصر الرئاسي، وقلوب الفرنسيين تتطلع إليه أكثر من الرئيس، كان يتصبب عرقا وهو يلعب المونديال الحالي.. كل قطرة تلمع ألماسة في تاريخ الكرة الفرنسية. بعد أن ظن الجميع أن الملاعب تركته وملته، أو أنه ترك الملاعب ومل منها، يعود كطائر الرخ العربي ( الذي عندنا لم يتعد الخرافة) ويخرج صقيلا، رشيقا، ماهرا، محنكا.. من جديد. هدفه الثالث في مباراتهم قبل الأخيرة كان خلاصة كل ذاك .. وبالدهاء والمسطرة معا. لعبه ضد البرازيل كانت فصلا كاملا في تاريخ الكرة، ودك مع زملائه أكبر أسطورة كروية في الدنيا.. دكا مخزيا. لقد أضاء الملعب ليس فقط بمهاراته وتمرايراته، ولكنه كان في كل وقت يقرر كيف يغير إخراج كل اللعبة، وكانت البرازيل تتجاوب معه وكأنه يقرر لها أيضا..

هذان اللاعبان هما الآن كوكبا سماء اللعبة العالمية، ولكن ما وراء اللعبة؟

رونالدو لم تشهره الملاعب البرتغالية، ولكن صنعته فعلا إنجلترا، أو قل إن واحدا من أشهر نوادي العالم وهو مانشستر يونايتد، وهو الجناح الطائر للفريق، وله شعبية في الجزر البريطانية تكاد أن تصل لشعبية "بيكهام" وغيره من نجوم الكرة هناك. ولكنه هو الذي جعل بريطانيا تحاط بالدموع بدل البحر ذات ليلة. وهو يقف أمام المرمى الإنجليزي لم يكن أمامه أكثر سنوات عمره القليل في بريطانيا، ولا المجد الذي علقته عليه، في تلك اللحظة لم يكن أمامه إلا وجه أمه.. البرتغال. والبرتغاليون لن يقفوا عند هذا النصر أو عند تلك الكرة التي خرقت قلوب الإنجليز، ولكنهم الآن يفكرون كما قال خبراؤهم الاقتصاديون في خطة وطنية للاستفادة من رونالدو ومن فيجو وباقي الأبطال، وهم يريدون أن يروجوا صورة جيدة أمام الدنيا للبرتغال باستغلال شهرة نجومها، بل يقول مصرفي برتغالي إنه يجب أن يكون لاعبونا من ورق المفاوضات القوية في التبادل الاقتصادي والاتفاقيات التجارية مع أوروبا.. إلى هذه الدرجة! إن البرتغال تخطط لما بعد ذلك .. ليس في ميدان كرة القدم ولكن لكل ميدان وراءها يهم رفعة وازدهار أمة البرتغال. درس آخر غير درس الكرة.

زين الدين زيدان، هو الذي يهمني الآن. زين الدين زيدان عربي واسمه يحمل وهجا عربيا صريحا مع نفحة دينية لا تخفى، ولكن زيدان محسوب بالكامل على أمة الفرنسيين، ولا يطول أمة العرب منه شيئا إلا الجزائر بضرورة النسب، ولا أستطيع أن أحكم على مدى تدين زين الدين زيدان، ولكن رونالدو البرتغالي كاثوليكي متدين ولا تفارق إشارة الرسم الصليبي حركاته وسكناته، ولكن من معرفتنا من المهجر العربي المغاربي في أوروبا فالمد الديني هناك يعلو مجتمعاتهم المغلقة أو المبعدة في خواصر الحواضر الكبرى، ولو كان زين لا يهمه الدين لما توانى عن إعلان ذلك. المهم الآن كيف نستفيد من زيدان كعرب وكمسلمين وحتى.. كسعوديين.

من الناحية الدينية يجب على المؤسسات الدينية في فرنسا أن تستخدم زيدان في حملتها التعريفية للإسلام، فزيدان رجل عائلة ولم نسمع عنه تسكعا ولا تهتكا، وهو يكون قدوة للمسلم الناجح أمام الفرنسيين ويغير الصورة النمطية عنهم في فرنسا. ومن جانب آخر، هو منارة بارزة كقدوة يُهتدى بها أمام الشبيبة المسلمة في فرنسا بأن طرق النجاح مكفولة في أوروبا مع العمل الجاد، والحزم، والانضباط مسلكيا وهذه كلها من صلب تعاليم الدين الإسلامي. وزيدان فرصة لا تقدر بثمن لكل العرب لو خرجت حملة ذكية ومتقنة لوضع الصورة العربية في وضعها الملائم أمام الرأي الأوروبي والعالمي، وقد يكون ذا فائدة كبرى في صراعنا مع إسرائيل لو أُحسِن استخدام العنصر الواقعي والمنطقي والعلمي والابتكاري في خطة إعلامية يكون محورها زيدان والنابهون العرب في مختلف العلوم والأعمال في أوروبا والعالم..

أما كسعوديين وزيدان على محطة اعتزاله.. فلم لا نحضره مدربا للمنتخب؟!