بل أفضِّل أن تعطيني أختك!

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

* واختفى شهابٌ من الشهب المضيئة في سماء الأمة، انتقل إلى الرحمة الإلهية الرجل العظيم والمحسن والمجاهد بالمال والنفس من أجل الدين وخير الناس، الرجل الذي يحب أن يطلق عليه الكويتيون، وكل من يعرفه "العم أبو بدر"، الشيخ عبد الله العلي المطوع في الكويت بعد ساعة من لقاء إذاعي متابعا حثه على أعمال الخير والإحسان. العم أبو بدر لم يعرف شيئا في حياته خارج عمل أسرته التجارية غير خدمة الإسلام والمسلمين. وكان الراحل لحمة التماسك الإسلامي في المجتمع الخليجي في فورة الأفكار والتيارات والأحزاب التقدمية، والاشتراكية، والقومية، والمادية، وحارب مع قلة قليلة معه منهم أخيه عبد العزيز في تخوم خطرة ومجردين أمام تيارات عارمة. الآن لا يشرق عملٌ خيري إلا ويذكر العم أبو بدر، هو مؤسس حركة الإصلاح الشهيرة بفكرها وعطائها حتى صارت الآن منارة بعد جهاد طويل، وأسس "المجتمع" التي كانت تشق الطريق أمام المجلات الرخيصة التي انتشرت كيوم جراد. مات العم أبو بدر وحزن الكويتيون كلهم، وحزنا معهم. إنما المنارات التي شيدها على سواحل الأمل والعمل مازالت تضيء.

***

* وتكتب الدكتورة "وسمية عبد المحسن المنصور" مقالا في جريدة (اليوم) الأربعاء السادس من الشهري الجاري مقالا بعنوان:"جنون الماركات": "من المتغيرات التي طرأت على مجتمعاتنا ظاهرة جنون الماركات، وهو الانقياد المغناطيسي تجاه كل مادة مستهلكة تحمل اسم ماركة من الماركات المشهورة. يستوي في هذا المرض من يمتلك القدرة الشرائية، أو مَن ليس له القدرة على تدبير أمور معيشته الحياتية، فالعجب أنه يسعى إلى هذه الماركات لا يتطلع احتياجا بل هو ينظر إليها كمكمل جوهري وأساسي لسمت شخصيته ومكانتها الاجتماعية في محيطه الشخصي. لن أتجنى على أحد، فالظاهرة تفشت وأصابت الجنسين على حد سواء". ونقول للدكتورة أنت لا تتجنين على أحد، ولكن البعض يجني على نفسه وعلى.. عقله!

***

* وأخيرا، من رويتر في الخامس من الشهر الجاري، عرفنا السبب وراء نطحة زيدان التي زعزعت بناء هيكل اللاعب الإيطالي العملاق "ماركو ماتيراتزي" في مباراة فرنسا وإيطاليا في مسابقة كأس العالم الأخيرة. فقد أعترف "ماتيراتزي" بأن تبادلا لفظيا صار بين اللاعبَيْن، ويعتقد ماتيراتزي أن زيدان هو الذي بدأ المواجهة اللفظية فهو يعترف قائلا: "عندما شددت قميص زيدان أثناء اللعب أغاظني حين قال لي: إن كنت تريد القميص فإني سأعطيك إياه بعد المباراة" أليست هذه الجملة تجعل المرء يغتاظ (!) عندها رددت عليه: "بل أني أفضِّل أن تعطيني أختك!"، ويعترف المدافع الإيطالي بأن هذا كان خروجا عن الأدب. الآن، وأمام هذا الاعتراف، بقي لك يا قارئي العزيز أن تجد العذرَ لزيدان على نطحته.. أم لا!

***

* كتاب الجمعة: قصة قديمة بالإنجليزية، من أول أربعينيات القرن الماضي، عنوانها "رأس النافورة" لكاتب غير مشهور اسمه "أيان رودز" تتكلم بفلسفة تأخذ القلب، وتجعل العقل مشغولا صفحة وراء صفحة عن معنى الالتزام بالرأي والتجديد والابتكار ولو كان العقل العام السائد لا يقبل تغييرا أو لا يتوقعه أولا يعقله، والفلسفة تتمحور حول أن المخترعين هم أفراد في عالم لوحدهم يقيمون فيه قوانينهم الخاصة ولا ينتمون لما يريد منهم الناس، بل لما تريد أحلامهم واكتشافاتهم، وأن هذا هو الذي يحرك العالم ويسير مدنية الإنسان، ليس العقل المقاد برغبة الجماعة بل العقل الممسوس بإيمانه بإنجازه واكتشافه ولو توحد العالم ضده. وهي عن قصة المهندس المعماري "هوارد رورك" الذي جاء بتصميمات معمارية عبقرية وفريدة ولكن لم تقبلها جمعيات المهندسين في أمريكا، وحاربه المطورون وكتاب الأعمدة المعمارية في كل الصحف، ولما قدم تصميما لشركة كبرى مقابل ملايين الدولارات - بينما هو لا يملك أن يسدد فاتورة كهرباء مكتبه- وقبلته الشركة مقابل أن تضع عليه بعض اللمسات السائدة رفض.. وحين سألوه: إن رفضت عرضنا كيف ستعيش؟ أجاب: سأعيش عاملا بالأجر اليومي حتى أحقق حلمي أو أموت بفقري وفرديتي واعتباري، وبالفعل امتهن العمل اليومي الشاق حتى نجح.

***

* يحب أخونا "عبد الله عبد الستار العلمي" أن يختم مقدمة أخباره في نشرته الإلكترونية بقفلة لازمة بالإنجليزية هي: "وتستمر الحياة". في العراق القصة أخرى، وهي قصة الحياة مع الدم، الحياة مع الموت الذي هو الحق في كل مكان وزمان، وفي العراق هو الحق ولكنه ليس المفاجأة، وليس الحزن الصاعق، إنه حادث كل يوم، إنه اغتيال الحياة كل يوم، إنه نشر أكيد ووئيد مثل جرح يغور في الجلد العراقي ثم يقصف اللحم حتى العظم، إنه سكين مثلوم ومسموم لا نعرف من يحمله، أو أننا من كثرة الأيادي التي تحمله لم نعد نكترث لأن الدم صار يعمي نظرنا، ويعيق صفاء تحليلاتنا العقلية، بل ينثرها مع كل رشة الدم، لم نعد نرى لأن العراقَ يأخذ خنجرا من أي يدٍ تمتد لتعطيه هذا الخنجر ثم يطعن قلبه. الحياة في العراق تجاهد كي تستمر!

***

* كلام الجمعة: دائما أطالع ما يكتبه كاتبان مهمان في صحافتنا وهما عبد الله الجفري، وحمد القاضي، و أجد شيئا يجتمعان حوله، ويكرسان كل تجهيزاتهما العقلية العاطفية من أجل معنى واحد، مهما دارت العناوين، وتشابكت المواضيع، وتداورت الحالات النفسية لكليهما: "الحب". فبينما جل فلسفة القاضي تعتمد الحب المنطلق العام الذي يسبغ الأمل، بل يشتد وميضه كلما اشتدت الحلكة وغطست أحلام الآخرين في فراغ الظلام، يومض حب الأمل عند "القاضي" بأشد لمعاته فيكهرب الظلام بأسواط الضوء.. ثم يستمر باسما ولا ينتظر النتائج، وكأنه واثق من صواعق حب الأمل كل الثقة. والجفري حول حب آخر، حب يدور على الفرد ويحشو قلبه. الحب حين يكون منقذا لنا في أزماتنا وحسرتنا وخجلنا حتى من أنفسنا، أو لنشر غلالة من ورد أبيض تغطي ذكرياتنا المؤلمة، فيأتي الحب مقتحما يحب أن يسلم الفرد كيانه له، ومن أجله. الحب عند الجفري وصفة للفرد لكي يكون ترياقاً لوحدته، والخجل من واقعه أو أشاعيره. الحب عند الجفري يحمل مدفشا هائلا ليحفر عميقا.. ثم يدفن الحزن!