الأخ حميدان: بعد التحية

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

الأخ حميدان التركي:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

هل نحزن من أجلك؟ شيء طبيعي أن تحزن وأن نحزن. هل نبكي من أجلك؟ لا أرى في البكاء عيبا ولا نقصا للرجال والنساء على السواء، فهذا تعبير حيوي في أجسادنا يجب ألا نكتمه حتى لا نعوق دورتنا الحيوية، إن العاطفة لما تجيش لابد أن يكون لها مخرجا أو متنسما كي نتفادى انفجارا داخليا، والمخرج هو الدموع، بعد البكاء يمكن لكل منا أن يواصل حياته من أجل التغلب على الدافع الذي أسال الدموع. هل نأسف لأنه كان يجب أن نحتاط في تصرفاتنا وأعمالنا حتى نتقي مصائد الحياة؟ حتى المصائب والتجارب العصيبة لا يجب أن تدعونا للأسف ولكن لأخذ العبر والدروس.. وإن لم نخرج من مصاعبنا وتجاربنا المؤذية بالدرس والعبر فنحن إذن فارغون، فإنك تأسف لمن يقع في الخطأ أول مرة، ولكنك تغضب عليه إن وقع في عين الخطأ مرة ثانية.. إذاً لا أسف، بل دروس.

الأخ حميدان التركي:

هي أشياء أفكر فيها، كما يأخذ الواحد منا إعصار مباغت، فيشل التفكير من شدة الهول والمفاجأة ثم إنه يقلعه من الأرض التي يمشي عليها، ومن الجاذبية التي توزع توازنه. وكذلك إعصار الأفكار، إنه يخطف المرءَ فجأة من مكانه ويحلق به عاليا حتى تكاد تنتفض خلايا دماغه بحثا عن قطرة أكسجين.. بعد المفاجأة وذهول العقل يبدأ التفكير، التفكير في الخروج من الإعصار، أو انتظار الإعصار حتى يلقيه في أي مكان، أو هاوية. ولكن متى خرجت من الإعصار، بأي حال، فلابد أن تفكر في الوسائل حتى لا يفاجئك الإعصار مرة أخرى. وهذا ما يجب أن نتعلمه من مصابك، صحيح أنك وحدك تدفع ثمن هذا الدرس جسديا من عذاباتك، ولكننا أيضا نتألم من أجلك، ومن أجلنا، بقلوبنا وبضمائرنا، وبنظرتنا لنفسنا وقيمتنا في هذا الكون.. يختلف مدى الألم من شخص إلى آخر، إنما الكل يشارك بنصيب.

الأخ حميدان التركي:

نتعلم كثيرا من حلق لحيتك في الأمس، وإني قد أكون مدعيا لو قلت لك إني أقدِّر آلام أن نزع اللحية من وجه رجل يراها قبسا من إيمانه، واحتمال الادعاء هو هذا الوجه في أعلى المقال.. وجه تنقصه اللحية. وأستمر في ادعائي بإدراكي جلل الشعور البغيض بالظلم والغبن والقهر وانقطاع الحيلة. ولكن لما وصلت إلينا رسالتك لزوجتك المصابرة، ذقنا وسط الحروف مرارة ألم نزع اللحية حتى أنها من غير قصد، ولكن لتدفق الشعور الذي لا يحجب الألم، أن ألم نزعها وضع ليسبق آلامَ الصعق بالكهرباء.. نعم الصعق بالكهرباء. والدرس هنا، هذا الجانب المضيء، وكأن سعادة خفية تنطلق من لفائف الرسالة مثل تفتح أوراق زهرة رويدا حتى يدورُ العطرَ في المكان.. كانت هناك إضاءة وفرحة روحية لا تخفى بأنهم لم ينتصروا عليك، نزعوا لحيتك، ولم ييستطيعوا نزع كرامتك، نزعوا شعر لحيتك، ولم يستطيعوا مس شعرة من إيمانك.. كأنك حتى تغبط نفسك وأنت تتعذب، بما تصدق وتعتقد وتؤمن به بأنه من أجل الله، فلا بد أن مرّ على مخيلتك المترعة بصور تاريخ الإسلام ياسر بن عمار وهو يُمَزقُ جلدُه ويعيد الشهادة، وذاك الرجل الذي أرقد على سعير الرمال وهو لا يعرف إلا: أحد، أحد. غبطت نفسك وكأنك استمرار للتاريخ، تاريخ ما يقدمه المختارون من أحباب الله.. من أجل الله. ليتنا مثلك نستطيع أن نغبطك لا أن نحزن فقط.. ولكني قلت لك: مازلنا في عين الإعصار.

الأخ حميدان التركي، الدروس والعبر:

أول درس كي نتعلمه ومن عذابك الحي، هو أننا مكروهون ومبغوضون حتى العظم من الأمريكان - ليس كل الناس، القائمون على إدارة الناس، قطعا- ولا يجب، منذ الآن، أن نبحث عن الأسباب لم هم يكرهوننا؟ فهم لديهم أسبابهم، وأسبابهم ستقنعهم أكثر من مبرراتنا.. هذا الدرس الأول، والأهم. والدرس الثاني، الذي يجب أن نتعلـُّمه هو ألا نعرض أنفسنا لهم كوجبات على صحون من فضة، حين نسرف في الذهاب إلى أمريكا، أو غيرها المثيلة لها في طرائق التفكير والسلوك، سواء في البعثات أو الرحلات السياحية. ودرس علينا أن نتعلمه، أننا إن اضطررنا أو اخترنا للذهاب إلى أمريكا خصوصا هذه الأيام فعلينا إذن ألا نقدم أسبابا تساعدهم على التمثيل بنا مهما وهنت الأسباب. وحينما نختار بإرادتنا الواعية فعلينا إذن ألا نلوم أحدا متى جاءت النتائج لتخبرنا أن القرار كان سيئا. وأن نتعلم و" نعي" عندما نسافر إلى الغرب عموما، أن هناك طبائع نعملها إما بالبداهة أو التعود أو بنص الأنظمة من الممكن أن تكون مبررا ممتازا لينكلوا بنا. وأن.. أول، وأفضل، وأبسط، وأسرع هذه الطرق هن العاملات الآسيويات اللاتي تصحبهن الأسر.. مكمن ضعفنا، إنه كعب أخيل الذي يتيح لهم غرز السهم المسموم.. لأننا أسهمنا في كشفه لهم. لو كنت مشرعا في هذه البلاد لأصدرت قرارا استراتيجيا يمنع الأسر من اصطحاب عاملاتها في السفر.

الأخ تركي الحميدان:

حميدان التركي

.. أو نوقف الذهاب لأمريكا حتى يهبط الإعصار!

من أخيك المحب،

نجيب عبد الرحمن الزامل