في العيد.. ماذا أريد .. وماذا تريد؟

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

- أريد وتريد، أن تهنأ عقولنا بسلام داخلي من هذه الفوضى التي تعترم في حياتنا، بعضها حقيقي والكثير منها من صنع أوهامي وأوهامك، تخيلاتي وتخيلاتك، قلقي وقلقك.. خوفي وخوفك. فتختلط الأوهام مع الواقع وتكتظ عقولنا وتزدحم من هذه الفوضى المتراكمة فنغرق في التفكير حتى نغرق. أرجو في هذا العيد أن نعود أنت وأنا، لتنقية عقولنا من الزحام، مثل أن نعود إلى خزانة ملابسنا، أو حاجياتنا، وهي لا تسمح لنقطة ضوء أو لمسة هواء من الزحام داخلها، ونعيد فحص ما بها مرة تلو المرة، سنجد أن معظمها مجرد زوائد لا نحتاج إليها، وأن يكون عندنا التصميم للتخلص منها لتعود الخزانة مضاءة، وفسيحة، ويمر بها الهواء منعشا نقيا.. ويعم السلام. لن نصل إلى السلام في عقولنا وفي داخلنا إلا إذا نفضنا كل زوائد الأوهام.. وتركنا مساحة للضوء والهواء النقي.. ضوء الإيمان، وهواء الثقة بالنفس وبأن الله معنا ما دمنا حقا وعدلا مع أنفسنا.

- تتذكر أنت وأنا، المنطاد؟ طبعا! إن المنطاد يطير جميلا محلقا كطائر خرافي مزخرف في السماء المفتوحة، ويلامس السحب وكأنه ظل قوس قزح.. كيف يطير ويعلو في الطبقات؟ لا يطير إلا برمي الأثقال واحدا بعد واحد فيخف ويهف ويعلو.. ثم أنه كيف يعلو ويرتفع للشواهق إلا بأثير غاز خفيف حفيف ألطف مادة من الهواء وهو غاز الهليوم الرشيق التكوين. إذن، كيف لنفسك ونفسي أن تطيرا وتحلقا في أجواز الأفق المترامي إلا بأن يكون الأثيرُ الدقيق الرقيق في أرواحنا، وهو الإشعاع الغامر بالإيمان الذي يملأ الجوانح ويترعها بالثقة والاطمئنان.. وإننا متى مزجنا الإيمان والثقة فسيكونا الطاقة الباعثة للانطلاق.. للعلو.. للتحرر من جاذبية وإسار الأرض. ولا يستمر المنطاد بالطيران ومسابقة الغيوم وملاطفة النجوم إلا برمي الأثقال من جوفه، ولكي تستمر روحك وروحي بالتحليق والتحرر فيجب أن نلقي أثقال قلق لا تتحمله نفسانا فيلصقهما في القاع، أن نصد التشكك والتخوف والتشاؤم والضعف والتردد ومفاسد الشعور من حسد ونميمة وتطلع وراء أكتاف الناس، وتحري ما يقومون به لنغتاظ عليهم وعلى أنفسنا.. إن التحررَ والعلوَّ هو النجاح، النجاحُ كما تعلم أنت وأنا هو رحلة للأعلى.. فهيا احمل معي ما في جوفينا من أثقال، ولنرمي الأثقال إلى القاع.. لنطير إلى السماء.

- شيء آخر كان يجب أن نتنبه له أولا.. وهو أن المنطاد كان عالقا بالأرض، وهو يحاول من فعل ضخ الهليوم اللطيف في جوفه أن يقاوم قوة الأرض ليتطلع إلى معانقة الأجواء، ولكن الذي منعه من ذلك حبل غليظ مربوط بسفدٍ من حديد مغروز في أحشاء الأرض. اعتمادنا المطلق عما سيفعله الآخرون لنا، أو ما نعتقد أنه يحق لنا أن نطالب الآخرين ليقوموا به لأجلنا هو حبل ثقيل يربطنا للقاع ويمنع مبدئيا وحتى نهائيا رحلة العلو، تلك التي نسميها رحلة النجاح. إن الاعتمادَ الكامل على أُسَرِنا لتهيئ لنا العيشَ دائما حبلٌ ثقيلٌ يربطنا لقاع الأرض، إن الاعتمادَ على الجهات الرسمية أن توفر لنا الوظيفة والمسكن والمستقبل إنما حبل ثقيل يأسرنا ويسلمنا لقاع الأرض، إن الاعتماد على يد تأتي من أي مكان لتنتشلنا من الهوة محض فشل وفراغ وهم.. إن لم نتسلق أنا وأنت إن لم نصنع سلما أنا وأنت فلن يحملنا أحد على كتفه، وإن حملنا فلن يستطيع أن يسير بنا، ولا بد أنه ملقينا عن كتفه إلى غبار الأرض يوما شاء أم لم يرد.. لن يطير المنطاد مهما نفخنا به كميات الغاز الأثيري إلا متى قـُطع الحبلُ.. حبلٌ يربطه ويمنعه من رحابة الأجواء. علينا أن نقطع حبل الاتكال على الآخرين، وأن نصنع من داخل أرواحنا المؤمنة وأنفسنا الواثقة، وعقولنا العازمة سلما يأتينا رويدا من السماء لنعلو به، وهو الاتكال أولا على الله.. ثم أن نمد أيادينا ونقطع الحبل الغليظ.. ثم الانعتاق.

- أن نعرف وأن نثق أننا مثل سوائل الأرض الجارية لا يحكمنا مكان أبدا.. فالسوائل من طبيعتها الجريان.. لذا نقول كم من المياه جرت من تحت القناطر والمعابر.. الذي يثبت هو المعبر أو القنطرة وهما من حجر صلد أصم، والذي يتحرك ويتغير هي السوائل مثل المياه الجارية تنتقل من مكان إلى مكان فتعم الحركة والحياة والصفو والصفاء والنقاء. متى وقفت وركدت.. عطنت وفسدت، لأن بها مبثوثٌ روح الحركة.. والحركة حياة. فنحن إذن سوائل ولا بد أن تجري وتتغير من مكان إلى مكان، ومن موقف إلى موقف، ومن خبرة إلى خبرة، ومن تجربة إلى تجربة، وأن لا شيء ثابت هو الذي يجب أن يكون توقعنا وشعارنا في الحياة، حينها لا نتشبث بكرسي حتى الموت، ولا نشيب وننتهي عندما يسحب الكرسي من تحتنا، ولا نأسى إن تغير موقف، أو التفت تجربة، أو ضاقت ظروف بعد اتساع، إنها كلها ضمن الحركة التي تقود في النهاية إلى التجربة الكاملة إلى النقاء والصفاء والتوافق مع قانون الحياة.. وأن نكون كالسوائل مصممة وعازمة وتعرف حدودها ومجراها، وتؤمن أن لها ضفاف لا تحيد عنها وألا ضاعت مع الطوفان، وإن ضفافنا الحامية دائما هي ضفة الإيمان من اليمين، وضفة الثقة بالنفس وفي حقائق الحياة من الجهة الأخرى، ثم نتابع السريان والانسياب، فلا بد أن تتغير وتتبدل وتتحرك المواقف والظروف.. توقع هذا التغير هو الذي يصد عنا هول المفاجأة، وروع التبدل، ويقودنا إلى التسليم برتم الحياة، ولكن ليس إلى القنوط والاستسلام.

- أن أسعى محاولا أن أحبك وأحمي مصلحتك، كي تحاول أن تحبني وتحمي مصلحتي!

أعاده الله علينا جميعا ونحن أفضل أمام الله.. ثم أمام أنفسنا.