السيدة شايلا كويا: الدين يعطيني كامل حريتي

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

السيدة شايلا كويا الهندية الجنسية مشرفة نادي الخطابة – فرع السعودية. وفي الحقيقة كل المنتمين من صغار السن من الفتية والفتيات الهنود. ومسابقة الخطابة، وهي معروفة وتقليدية في بناء المهارات الخطابية لدى النشء، من أهم وسائل بناء الشخصية في الصغر، والتي تعلم الفصاحة، البيان، القدرة الفكرية في اختيار المواضيع، الثقافة، وفن التأثير على المتلقي، بالصوت والحركة والمزاج، قوة البيان، فصاحة اللسان، ورشاقة اللغة.. ويسمى هؤلاء الخطباء في الإنجليزية "توست ماسترز".

وفي احتفال المسابقة النهائية لاختيار أفضل خطيب صغير (صغيرة) اختارتني بتوصية عطوفة عن طريق الصديق المتميز عبد الرزاق التركي لأكون رئيس خطباء الاحتفال.. ألقيت خطابي لمدة خمس دقائق (محددة) وكان يجب أن أنهيه كحد الموسى وأن أقول كل شيء. فشعرت أنني وسط الامتحان ولوحة ترتفع من أحد المتسابقين المكلفين بتذكير الخطيب بكم بقي له من الوقت .. لأول مرة في حياتي أنهي خطابا في خمس دقائق! لقد تعلمت شيئا.. أو أشياء. وتعرضت لضغط فكري عنيف ومئات من المبهرين في التحدث بالإنجليزية الراقية يسمعون كل حرف مني وكل فعل وكل فاصلة وكل ما يذكره الكتاب النحوي في تلك اللغة .. هذا الضغط، لم يكن ليقاس بالضغط العاطفي الذي رأيته وسمعته وأنا أمضي ساعات أستمع للخطباء الصغار، وهم يرتجلون موضوعا لمدة خمس دقائق أمام المئات من الكبار لا تهتز لهم شعرة، ورأيت فتاة بالذات لا تتجاوز الثالثة عشرة بأية حال (وقطفت الجائزة الأولى) لم أر في مثل فصاحتها، سخريتها الراقية، تعليقاتها اللاذعة اللماحة، سلاسة لغتها، فصاحة حرفها، ولمعان حضورها، في أي خطيب ناضج في منطقتنا .. مبهرة.

ألمي العاطفي، أن فرقا شاسعا ليس بين قدرات هؤلاء الأطفال وقدرات أطفالنا، لن أقول هذا لأن هذا هو الحرام بعينه .. فلا ذنب لأطفالنا، الذنب كله ذنبنا.. كأولياء أمور، كمربين، كمدارس، كجامعات، إن كامل كتلتنا الثقافية تقف بشموخ غير محمود ضد أن ينطق أطفالنا، دون أن يبنوا مهارات الكلام والخطابة، دون أن تبنى وتتهيأ وتنضج شخصيتهم لمواجهة العالم .. فيهابون العالم .. فلا يستقبلهم كما يستقبل طلائع أمم أخرى. إن ثقافة: تأدب أمام الكبار، ولا تنطق، الصمت من ذهب، كلمة لم تقلها أفضل من كلمة قلتها، أصمت، ولا تدافع عن نفسك .. في البيت في المدرسة في الجامعة في الوظيفة في الإعلام تجعلنا لما نكبر إما قافلة من الخرس، وإما جماعة من أصحاب الكلام الفظ، مثل صخرة خام لا يمسها تهذيب إزميل النحات الفنان.

مر الأطفال الصغار أمامنا أولاد وبنات وهم يحاولون أن يبهرونا كنظّارة، وأن يثيروا إعجاب الحكام، وكل حكم له دور خاص، واحد في اللغة وصحتها، وآخر في فن الإلقاء، وآخر في المظهر والإيماء، وآخر في جماليات الاستعارة ورؤى الأفكار.. كان شريطا استمر ساعات، ومر أمامنا كبرق شتاء .. برق تحمله سحابة مليئة بالمطر.

وهنا، أود أن تهتم وزارة التعليم، ومن خلال التعاون مع الأندية الأدبية بإنشاء جمعية الخطابة للصغار، وتكون مستقلة برفد خاص، حتى يصير لها كيان قوي وتدخل النادي الدولي لنادي الخطابة .. وأن تحتفل المؤسسات الرسمية بهذا الحدث وتجعله من أبرز المناسبات.. هذا الذي سيبني شخصية صغارنا، وليس أي شعارات أو احتفالات أو مهرجانات تنقضي وتنتهي في يومها الأخير. إني متأكد جدا لو تقدم في المستقبل واحد من هؤلاء الصغار الذين رأيتهم لمسابقة وظيفية مع واحد أو واحدة من أبنائنا فإنهم سيأخذون عنهم الوظيفة ليس لتباين مستوى الذكاء، ولكن للقدرة الفذة والفنية والمدروسة للتعبير عن الذات والتأثير على السامع .. سلاح قوي للمستقبل.

وصلتني بعد يوم من الاحتفال رسالة بليغة جدا من السيدة شايلا، أقتطف منها التالي مترجـِما:" أود بقوة إقناع الناس من حولي في الحاجة الشديدة لنجعل الصغار يدركون أهمية طريقهم في هذه الحياة والذي هو أيضا دينهم (وهي تكتب الدين بالنطق العربي، وبالحرف اللاتيني) وأن لا يعتقدوا أن الدين جزيرة معزولة عن طبيعة إيقاع حياتهم اليومية، يجب أن نعلمهم أن يدركوا ويعوا المنطق والجمال في دينهم. عن طريق الخطابة أريد من تلامذتي، وبالذات البنات، أن يؤمنّ بأن الواحدة منهن نشطة ومنتجة وأنا فخورة بديني، لأن ديني كامل ويمنحني كل الحرية التي سأحتاج إليها في هذا العالم، ولأن من واجب كل مسلم أن ينشر رسالة الإسلام".

وبالفعل، سألنا الفتاة الصغيرة المسلمة التي فازت بالجائزة بالإجماع، ماذا ستفعلين بالجائزة؟ فأجابت بطريقتها البارقة بدون التقاط نفس: "أوه! هذه الجائزة التي في يدي لن أعمل بها شيئا، الرف كفيل بحملها .. الجائزة الحقيقية هي القدرات التي ستجعلني قادرة على إقناع الآخرين بديني في كل محفل" صمتت ورفعت إلينا من حجابها المحكم عينين تشرقان ذكاء .. وأكملت: " هذه هي الجائزة"!

صدقت يا سيدة شايلا!