سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
* "الجوادُ الأصيل يكبو مسرعا، ليصهلَ تصميما من جديد".
.. كلما فكرت في هذا النادي، الاتفاق، عنّ على رأسي هذا الوصف الذي طالما ألقيته على النادي العريق. النادي الذي يقف على تلـّةٍ وحيدا بين أندية المملكة، لا سموا ولا أنفة، ولا بنيافة الفاتحين، ولكن يقف على تلته هو. أما تلته التي تراكمت, فهي من عرق لاعبيه وجهد مسؤوليه، وعواطف محبيه، ومن انتصاراته التي لا تجارى، ليست انتصارات يقصف بها الفرق الأخرى، أو يحصد بها الكؤوس، ولكن انتصاراته أكبر.. انتصارات على النفس، على الظرف، القفز وراء الحاجز الصعب، والالتفاف حول العراقيل الناتئة، ومواصلة السير، سريعا وحثيثا، مهما قست وعورة الطريق.. بل إن الطريقَ الذي يمشي عليه الاتفاقُ منذ ظهَر لم يُفرش يوما بالورد، وإنما فُرش بالعزم والتصميم.. والإبداع. لذا فهو درة النوادي.
الاتفاقُ ليس بالضرورة نادياً تلقيه كفرس الرهان، ليجتاز المضمارَ بأي شكل كان ليبز كل الأحصنة في السباق، وليس فريقاً جمالياً للتباهي والعرض، وليس مصارعاً يجندل الخصوم .. الاتفاق مدرسة متكاملة الأركان، لا تدري مَن صنعها، لا تدري مَن وضع وغرز أساساتها, ليس فقط في أرض المدينة, بل في قلوب أهلها.. وإن كان هناك مؤسسون ساطعو الحضور في نوادٍ كبرى كالهلال والنصر والأهلي، إلا أن الاتفاق بزوغ شعبي، حماسة أهل مدينة، جماعة من بسطاء الناس لم يدّعوا يوما أنهم سيجرون وراء الأفق.. بسطاء صنعوا فريقا، ولعبوا الكرة.. ثم أدهشوا الناس. لذا فإن الاحترامَ الذي يصنعه البسطاءُ، أعظم بعدا، وتأثيرا، وأصدع في قلوب الناس عاطفة من الذين يولدون والعظـَمة في مهادهم.. لذا فهو درة النوادي.
الاتفاق مدرسة .. أقول: نعم. دعني أقول لك: إن المدرسة معناها هي التكامل في الظهور في نمط معين من التصرف والشخصية والفكر والمهارة في كرة القدم بالذات، وهي اكتملت لناد صغير مثل الاتفاق أكثر من أي ناد آخر في المملكة. تتأمل أولاً في المظهر السلوكي، لن يقول لك مشجع واحد عن الاتفاق إلا أنه من الفرق التي يكون عنوانها اللعب النظيف. عبر السنوات الطوال وتعاقب عشرات اللاعبين جيلا وراء جيل لم يظهر لاعبٌ يطير شهرة بين محبي اللعبة أنه خشن أو يتعمد اللعب الضار.. الاتفاقُ من ظهر إلى اليوم وهو فريق رفيع، أنيق، مهذب، وخجول..إن كان لي أن أسحب الخجلَ صفة لنادٍ.. فبعض النوادي يصرخ بجاحة وخيلاء.
فريق الاتفاق بشخصية طاغية، يكفي أن تقول الاتفاق لترتسم صورة بذاتها ولا تنطبق إلا على الاتفاق.. فهو يحمل روح المنطقة، وهواءها، وطعمها، ورائحتها.. ويتنقل بعناصره هذه أينما حل، وأينما رحل. لذا الاتفاق درة النوادي.
الاتفاق مدرسة .. أقول: نعم. وارجمني انتقادا - إن شئت - على أن تثبت عكس ذلك. إنه يملك طوال السنين حتى الآن تاج خط الوسط في المملكة (هل أقول الخليج؟ لم لا؟ فقد أثبت ذلك قبل يومين، أليس كذلك؟). قبل ظهور الارتكاز على مناورة الوسط لمضاعفة الهجوم، وانطلاق وضمور الأجنحة في الانطلاق والانحصار كان هذا يجري كما الهواء في لاعبي الاتفاق. ولقد جاء أكثر من مدرب بأكثر من طريقة، ولكن تبقى مملكة الوسط طريقة لا تبتر في جسد الاتفاق لأنها من تكوينه العضوي، وهذا ما يجعل النظر للاتفاق متعة للمشاهدين المحايدين، وأعصابا تقف على أطرافها وهي مغموسة بالجمر لمشجعيه، لأن المناورة لا تطلق المدافع للمرمى.. ولكن تثبت مدرسة الوسط أنها قد لا تبطش نصرا، ولكنها تبقي على بلاتوه سهلي واسع ليس فيه انحدار.. إذن هذا فريق في كل تاريخه لا ينحدر.. إن لم يتسلق أو يحاول التسلق, فهو يملك مناعة نوعية ضد الانحدار .. لذا الاتفاق درة النوادي.
الاتفاق يصنع الأشخاص، ويصنعه الأشخاص، وهذا لا يتكرر ولا يستمر إلا بالاتفاق. نادي الاتفاق حوى ضمن ضلوع ملاعبه أكثر اللاعبين فنا وموهبة في تاريخ اللعبة.. والسبب فوق الإمداد الطبيعي، هو هذا الانصهار في حب النادي حتى أن اللاعب لا يعلم إن كان يجري ويحرث الأرض من أجله أو من أجل النادي. ولو سألت عظيما من عظماء الكرة والاتفاق مثل خليل الزياني, لأخبرك كيف كان يُجمع ويجتمع ويتناثر اللاعبون الصغار على النادي.. وهذا الرجل البازغ (والنادر أيضا) يحمل تاريخا يجب أن يدون. لا أظن أن ملاعب المملكة ملكت لاعبا موهوبا في الوسط مثل صالح خليفة، كان بغريزته يملك قدرة كاشفة للملعب، ويملك عقلا حساسا يقود كل حركة في قدميه، وكان سلمان حمدان صخرة دفاع, ولكن ليست ناتئة أو متدرعة، ولكن كتلة من اليقظة والانقضاض الفني الغريزي لاستخلاص الكرة.. لِمَ؟ لأن الكرة كرة الاتفاق ويجب ألا يحصل عليها أحد. إنها العقلية الاتفاقية التي لا تتغير، وأنت تقرأ هذا الكلام لواحد يرى صالح وسلمان وخليل بانتظام.. ولما ينكفئون بعد السلام والحديث أرى الاتفاق بازغا يرافق كل خطوة يضعونها على الأرض.. هذه الخلطة العفوية العاطفية المهارية الانتمائية تجعل نادياً مثل الاتفاق درة النوادي.
أسماءٌ مثل الرئيس العتيد عبد العزيز الدوسري، رجل بلا ضجة، بلا ادعاء، بلا تصريحات من نار أو ماء.. هذا النفـَسُ الاتفاقي لا تدري أيأتي من الأشخاص أم من روح المدرسة الاتفاقية؟ وهل تعتقد أن النادي صنعه أعضاء شرف أو مالٌ يتدفق من الصنابير؟ لا يا أخي لم يكن أبدا، وأرجو ألا يكون. كان من عرق وجهد وإخلاص شخصيات باذلة ومحبة وتاريخية (في التدوين الاتفاقي), شخصيات مثل يوسف السيد والراحل الكبير عبد الله الدبل وهلال الطويرقي، وفيصل العثمان والراحل المرحوم سليمان العبد العال، وشخصيات مهمة أُلامُ أنا على عدم ذكرها لضيق المكان وليس لضيق القلب.. أناس هم دررٌ بذواتهم، وإلا لماذا كان الفقيد الكبير الاتفاقي عبد الله الدبل قاطرة الحركة الرياضية السعودية.. أو فيصل عبد الهادي.. إلا لأنهم ساهموا ليكون الاتفاق درة النوادي.
لا، لم يكن الفوزُ الحاسم قبل يومين على القادسية الكويتي. الانتصار في حفاظه على رتمه ألتميزي طيلة عقود، ليكون .. درة النوادي.