سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
* "ما الفائدة إن طلعتْ الشمسُ ولم نرَ نورَها؟!"
.. نزلت السيدة زهرة بعد أن هيأت ابنها حيدر إلى الباب الخارجي لتراقبه بعينين ينبعُ منهما الحبُّ حتى ركب الصغيرُ وحقيبته الملونة معلقة بظهره الضئيل، الحافلةَ المدرسية، ولما تساوى على الكرسي، أخرج يدَهُ الصغيرة ولوّحَ لأهم إنسان لديه في الدنيا.. أما زهرة بعد أن وضعت يدها عن قلبها، راحت لتكمل شئون المنزل، وفي قلبها يدور دعاءٌ واحدٌ.. أن يعود ابنها سالما.
نزلت السيدةُ عائشة بعد أن هيأت ابنها عمر إلى الباب الخارجي، لتراقبه بعينين ينبعُ منهما الحبٌّ حتى ركب الصغيرُ ، وحقيبته الملونة معلقة بظهره الضئيل، الحافلةَ المدرسية، ولما تساوى على الكرسي، أخرج يدَهُ الصغيرة ولوّح لأهم إنسان لديه في الدنيا.. أما عائشة بعد أن وضعت يدها عن قلبها، راحت لتكمل شئون المنزل، وفي قلبها يدور دعاءٌ واحد.. أن يعودَ ابنها سالما.
السيد حسن يبيع الساعات في نواحي القطيف، يفتح دكانَه مبكرا هذا الصباح، وداعيا الله أن يفتح عليه الرزق، وأن الرزقَ لا يأتي إلا والأمنُ هو السائد، فلا يدور بخاطره في اللحظة وكل لحظة إلا أملٌ عزيزٌ بأن يبقى دائما الأمنُ والأمان.
السيد عثمان يبيع الساعات في نواحي الدمام، يفتح دكانَه مبكرا هذا الصباح، وداعيا الله أن يفتح عليه الرزق، وأن الرزقَ لا يأتي إلا والأمنُ هو السائد، فلا يدور بخاطره في اللحظة وكل لحظة إلا أملٌ عزيزٌ بأن يبقى دائما الأمنُ والأمان.
وفي المستشفى الكبير في الإحساء ترقد فاطمة بعد أن رزقها الله بمولودها الأول، وبجانبها في السرير المجاور، ترقد لطيفة بعد أن رزقها الله بمولودة مثل انبلاج القمر.. ولا يشغل بالهما أي شيء في العالم سوى أن يأتي الزوجُ لتفرح كل منهما بما منّ اللهُ عليهما.. وهما لا يريدان من الدنيا إلا أن يبقى سقفُ المستشفى آمنا فوقهما..
لا أريد أن أشتغل الآن بالفلسفات والنظريات، اليوم أطلب منكم أن تشتغلوا معي بجد ومنطق حول ما هي فعلا حقيقة أن نحيا؟ الحياةُ شمسٌ، ولا معنى لها إن لم نر أنوارَها، الحياةُ شمسٌ، ولا مبرّر عقلي إن حاولنا غَمّ أعينـَنا حتى لا تضيئنا الأنوار. النورُ هو أن تحيا بلا خوف، بلا وجل، أن تكبر آمالك وفرصك، وتستقر نفسك، وتُحمى كرامة وجودك.. هذه الحقيقة الأولى في الحياة، ولو وعاها الناس، وغريب أنهم يعرفونها جدا، ثم يتعاموا عنها بإصرارٍ ثقيل، ولما يتمادون في إعماء عيونهم وتغرب الشمسُ ينوحون بالبكاء على الذي كان باليد ثم خسروه، أو أضاعوه، وكانوا يعتقدون ببداهة غير مفسرّة أنه باقٍ معهم مهما عملوا. جـِد لي إنسانا واحدا في الدنيا لا يريد أن يعيش في الأمان، جـِد لي إنساناً واحداً لا يريد أن يُحمى ظهره ورزقه وكرامته، جـِد لي إنساناً واحداً لا يكونُ منتهى أمانيه أن يعيش أولادُهُ ويكبرون في ظلِّ الأمن والأمان. الغريب أن الإنسانَ لا يتعلم أبدا من التاريخ، لا القريب أو البعيد.. والأغربُ أن الحروبَ هي أغبى سبب قام من أجل البحث عن الأمان.. في حين أنها أول من يقوِّض أي معنى للأمان.. ولكني اليوم أريدكم أن تشتغلوا معي، لأننا نحن قد بدأنا نسلّ السكينَ لنطعن أنفسنا.. قد تستغرب القولَ أن يطعن الإنسانُ نفسَه، لا يا أخي إن طعنت جارك، فتأكد أن جارَك أو أخا جارك أو ابنه سيطعنك، أو الأدهى سيطعن ابنك.. هكذا الحياة وهكذا تواليها واستجاباتها. صن ظهر جارك رغم أي اختلاف معه لصيانة أمنك، وسترى أن توالي الحياة واستجاباتها تقود أن يصون جارُك ظهرَك.. حقيقة يفهمها الوليد.. ويغفل عنها ذو العقل السديد.. يا إلهي!
اليوم زادت جدّةُ الاتهامات بين الشعب الواحد، بكل طوائفه، وأتحدى أن يقول أحدُ إن هذا ليس طريقا ممهدا للاقتتال إن امتد وتشظى.. وأتحدى أن شخصا واحدا يريد أن يحترق ابنه، أو تحترق طفلته أمامه في النار.. كيف ننسى هذه البداهة؟! ثم إن كرهت طائفةٌ طائفة ًأخرى، فبالله أين تذهب بناسها؟ أي أرض سترحل إليها؟ وهي تقف على تراب أرضها، توالي الحياة واستجاباتها تؤدي إلى مصبٍّ حتمي واحد: الفتنة والاقتتال. لذا نهى مشرِّعُ الإسلامِ العبقري عن الفتنة، واستخدم المفردة لأنها تعني الاقتتال من الداخل.. وعرَف المشرِّعُ قبلنا أن الأممَ لا تـُهزم من الخارج حتى وإن قـُوّضت أطلالا من أعدائها الخارجيين، ولكن الأمم تتداعى وتنهار وتتمزق إن جاءت الفتنة من الداخل.. تنهزم الأمم أشد أنواع الهزائم وأكثرها رعبا، حين لا يطلق عدوها رصاصة واحدة في اتجاهها..
من يقولُ إن زهرة لا تريد حيدرَ أن يعود آمنا ولا يهمها شيء قبل ذلك ولا بعده؟ من يقول إن فاطمة لا تريد أن يعود عمر ضاحكا مطمئنا ليغرق في حضنها وكأن حضنـَها الدرعُ الذي يحميه من كل شرور العالم ويهبه كل مسرّاتها.. فلا يهمها شيء قبل ذلك ولا بعده..
من يريد أن يحترق متجره أو بيته؟ أو الأمرّ.. أن تحترق ابنته؟ أو يأكل لهبُ الحقد لحم ابنه الحي؟ بحق الله يا أحباءنا: انتبهوا، احذروا، أعيدوا وزن الأمور.. من أجل الصغار، إن لم يكن من أجلنا..
تسألني مرة أخرى ما هي الشمس؟ أقول لك: الوطن. وتسألني ما هو النور؟ أقول لك: الأمان!
.. ماذا تقول باليد التي تطفئهما؟!