هل الطالبُ هو السبب؟

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

استدراكا لمقالي السابق: هل تكفي المدرسة؟ وصلني كثير من الردود التي أنارت طريقي لتلمس بعض العلامات التي توضع على طريق يجب أن يُرصف (أو يعاد رصفه!) في سبيل "رفع جودة التعليم في بلادنا"، واضعين في اليقين، ألا تقدم للبلاد، ولا نجاح لأي خطة تطوير، أو عمليات إصلاح، إن لم نوفر لأبنائنا التعليم الصحيح، ومعناهُ باختصار واضح: المعارفُ التي تمكنهم من أن ينافسوا في الحياة العملية، وأن يحملوا من المهارات والقدرات العقلية ما يؤهلهم ليضارعوا مثلاءهم في الدول الأخرى، وأن يكونوا مزودين للنجاح حتى في خارج مجتمعنا.

إن الردود التي وصلتني - وقسم منها من رجال مؤثرين في المسيرة التعليمية في بلادنا – آثر أصحابها أن (يتكلموا قلوبهم) بلا رغبةٍ أن يجاهروا بأسمائهم، وهنا يكونون أكثر صراحة وعفوية وانطلاقا لتعزيز صدق آرائهم بعيدا عن التزمت الوظيفي، ومخافة لمس حساسيات مع زملاء، أو ترقبا من أي رد فعل لا يحبذونه، لذا استخدمت المعنى الغربي - "أن يتكلم الإنسانُ قلبـَه"- أي يتكلم بصراحة يزيح بها عن قلبه حجم المساءلة والمسؤولية، ويتحرر من الضغوط، وبدافع الحب، والحرص على من يحب..- وهنا نحلب العقولَ لنخرج منها زبدة الرأي.

ستكون الاقتراحات والآراء التي خرجت بها وحاولت أن أستوعبها بحوارٍ رائع مع أساتذتي وقرائي النابهين، على شكل ملاحظات تركض على السطور، تحمل في روحها الإجابات. كما أنها قد تكون صائبة، ولكن خطأها، إن كان، لا يحمل عنـَتا ولا ضررا، وفي سياق الاجتهاد المحمود.

- الخط الأعم الإحصائي ليس متفائلا في مدى القدرة الاستيعابية عند طلاب الثانوية، وترحيبهم بالاجتهاد الفكري، أو البحثي.. وبعض من تناقلوا الأفكار أورد العبارة القاطعة: "على الإطلاق!".

- معاناة طلاب الثانويات الأولى هي في تعلم اللغة الإنجليزية، وسجلوا حالات كثيرة تكون فيها حصص اللغة غولا حقيقيا ومخيفا لنسبة كبيرة من الطلاب. وهذا يعني ضعف في تعليم اللغة الحية الأولى على الأرض - الحقيقة التي قد تقلقنا أو نجحدها داخليا أو نبرر لعدم تعلمها وتعليمها.. وتبقى هي الحقيقة!- والضعف هذا ناتج من عنصرين، ضعف كفاءة المدرسين، وقلة جرعات التدريس، وتأخر مرحلة تعلم اللغة.

- يحقق نسبة كبيرة من الطلاب درجات أضعف في العلوم وفي الرياضيات، ويورد لي خبير تربوي أن أكثر من 57 في المائة من طلابنا يعانون إشكالا وصعوبات حقيقية من هذه العلوم، ولذا يلجأ كثير من أولياء الأمور إلى الدروس الخصوصية.

- من الخطأ الكبير الذي نقع فيه، لوم الطلبة. نلقيهم في البحر بدون أن نعلمهم السباحة الصحية في الـُلجَّة، ثم ننتف شعرَ رأسنا غضبا على غبائهم، وقلة تحصيلهم، وسوء فهمهم، وبطء تفكيرهم. هنا يجب أن نستضيء بحقيقة أدرجها معلم مخضرم حيث يقول: "السبب يكمن في أن مدرسينا ليسوا تنافسيين" مستخدما التوصيف الإنجليزي Incompetent .

- أما عن سبب ضعف تنافسية معلمينا، فهي ترجع للسبب الأول الذي نشكو منه صداعنا التعليمي، وهو ضعف القاعدة التعليمية أصلا، ثم ضعف إعداد المدرس صفيا وتربويا، وأن هناك ميلا لا يخفى في إشاحة النظر عن أهمية التخصص كأن يدرس مادة الرياضيات متخصصٌ بالكيمياء.. وهنا المأزق نفسه لو درس مدرس الرياضة البدنية علم الفيزياء.. لن يصير الولد رياضيا، وسيخفق في الفيزياء.. معا.

- يضيف الأساتذة أن الوزارة، والهيئات التعليمية تنسى أمرين استراتيجيين، وهما رقابة أداء المعلم "احترافيا وعلميا صفيا وأداء عاما" وليس مجرد التفتيش الروتيني الموروث من أيام مدائن صالح.. والأمر الآخر عدم وضع المعلمين ضمن برنامج تطوري وتطويري مستمر حتى لا يأكلهم الروتين، ويغلفهم الملل، وتتسرب من رؤوسهم حماسة التعلم، ومتى ضاعت هذه.. ضاعت معها أيضا حماسة التعليم.

- أصر الأساتذة على أمر المال في القضية التعليمية، فهم يريدون تخصيص مزيد من المال، ولكن هذا لا يكفي أو قد لا ينفع مطلقا إن لم يكن متحدا عضويا مع حسن إنفاقه.. فهم يشيرون إلى أن البيئة العقلية مربوطة مع البيئة المكانية والتجهيزية للمدرسة، لن يحس الطالب بقيمة ورقي التعليم بمدرسة متداعية، أو مستأجرة، أو بصيانة معدومة، لأن هذه دروس بحد ذاتها، ولكن سلبية، وللأسف تبقى في عقول الصغار الذين يكبرون على الاستهتار بالمال العام، وبالصيانة، وبأهمية نظافة وأناقة ورقي المرفقات العامة. إن لم تكن المدارس مثالية (وليست فخمة بالضرورة)، وإن لم تكن بيئتها دقيقة في الصيانة والنظافة والاهتمام فإن القضية التعليمية برمتها تحت شك كبير.

- ركز الأساتذة على الدخول في عالم التكنولوجيا، من حيث تجهيز الصف الكمبيوتري، ومن حيث تجهيز وصيانة وتجديد المعامل.. وألا سيكون التعليم نظريا غير جاد، والأسوأ سيغيب الواقع العملي، ودواعي العمل المختبري وهو من أهم عناصر التعلم والتطبيق والبحث.

- يقول الأساتذة مدرسة بلا مكتبة أنموذجية (ولو في منتهى الصغر) يعني غياب دعامة رئيسة، كأن تأكل على طاولة تقوم على ثلاث ركائز!

- تشجيع النشاط عير الصفي وتنظيمه ورفع مؤداه علميا واجتماعيا، كأن يخرج الطلبة لمواقع البحث (البحر، الأرض، الملامح التاريخية..) وأن يعاد العمل الكشفي الحديث، ونشاطات المجتمع، والتنافس الرياضي بين المدارس في مختلف الألعاب، والمسابقات المعرفية بين طلابها..

ونكتفي الآن، وما أجملنا لو نفذناها. صعبة؟ معقدة؟ بعيدة التنفيذ؟

.. كلا.. "على الإطلاق!".