إلى بنات الثانوي

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

".. أقامت بعض مدارس الثانوي للبنات في البلاد حفلات تخرج لطالبات التوجيهي، وبادر بعضُ الآباءِ ببعثِ خطابات لبناتهم، وهذه إحدى الرسائل التي وجهها أبٌ لبنته، وأختارُها كي أوجهها بدوري لكل بناتنا في التوجيهية.. ونختار اسما شائعا في بلادنا: نورة.."

 

* ابنتي نورة يا كنزي الثمين..

***

* كلُّ أبٍ يا نورة يفرحُ بمقدم ابنةٍ أو ابن، إلا أن فرحي بك ِكان بسعة الدنيا.. وكان ما يميزك منذ ولدت إلى هذه اللحظة، وأنت تطلعين على رسالتي، هي هذه البسمة التي أسميها مصباح الدنيا. يوم وُلدتِ رفعتُ رأسي للسماء أدعو، ومن خلال غشاوة الدموع.. رأيت في السماءِ نجمة ًتولد من جديد.. وصار لحياتي معنى جديد. ومشيتُ حياتي، ومعي زادٌ يشع في القلب ويمهد أمامي الطريق، وهي تلك البسمة التي كانت علامتك الفارقة.. وما زالت.

***

* ولكن يا نورة رغم السعادة، تأتي ضريبةُ الحبِّ وهي الخوفُ عليك، والمسئولية تجاهك، وهنا عرفت أن الله أمدني بقوة لا تنتهي إلا بنهايتي، وهي أن أقف ضد كل الشرور في العالم، ولو اتحدوا عصبة واحدة، من أجلك، وبدون أن يرفّ لي جفن، لأني أتذكرُ أن الله َمنّ علي بك، وأن بسمتك ليست فقط مجرد فراشة ملونة على شفاهك، ولكنها مصدر طاقة لي لأكافح من أجلك، وأبقى ذلك الذين تنظرين إليه وتحبين أن تقولي: "انظروا هذا أبي!"، مجرد أن يمتلئ قلبُك الغضُّ بحبي والفخر بي، فلن يهمني بعد ذاك لو لم يشارك بقية العالم في الحفل!

***

* أتذكر جيدا أول يوم في المدرسة، بنتي الصغيرة بزي المدرسة.. يا ربي، وخفت أن ترتجفي أمام عهد جديد خارج المنزل وخارج قلبين انقطعا حبا من أجلك، قلبُ أمك وقلبي.. أمك نادتني وقالت تعال وانظر، وإذا بزيك الأول، وجديلتك تتراقص على كتفك الضئيل كمرجوحةٍ من الزهر الأسود، وابتسامة تلمع في وجهك وتنير المكان، كنتِ تتقافزين بفرحةِ العمر الأول.. ليوم المدرسةِ الأول.. حينها ضاعت دقة من دقات قلبي، وعرفتُ أول خروج ٍلك من البيت، وخفتُ يا نورة من تتابع الخروج.. إنما هو قدرُ الأب، وقدر البنت.. ولكن تبقى بسمتك رفيقتي إلى الأبد.

***

* نورة: اليوم ، يومٌ لامع في طريق حياتك، يوم تخرجك في الثانوية، بنتي الطفلة الضاحكة، بانغلاقةِ عين ٍيمرُّ زمنٌ برْقِيٌّ فإذا هي فتاة تشرقُ بتباشير النضوج والاتزان.. اليوم يا نورة ستخرجين مني مرة أخرى، إلى الجامعة، مرحلة خروج أخرى، وستواجهين أمورا صعبة، وهي طبع الحياة، وقد تتألمين، إنها تجارب الحياة يا نورة التي تعيدُ بناء شخصيتك من جديد، وإن أحسنت التعامل معها فهي ستكون المناعة التي لا بد أن نكتسبها لنواجه مشاكل المستقبل بقوةٍ وصمودٍ ويقظةٍ عقلية. طبعا، كنت أتمنى أن أتلقى أي ضربة عنك، وهذا مستحيل، ولكنّا، أمك وأنا، سنبقى دائما لك ومن أجلك مثل شبكة النجاة.. أو مثل القفز على جهاز الترمبلين الذي نقع عليه ثم يعيدنا للأعالي مرة أخرى أقوى وأعلي وأكثر تمكنا.. علينا أن ندفعك لتواجهي الحياة. وأنت ستمضين لأنك تملكين إيمانا عميقا بالله، وروحاً باسمة ًيا نورة، وقلباً صغيراً ومحباً ولكنه قويّ.. بالغُ القوة لو تدرين.

***

* نورة، أرى ضحكتك الآن وأنت بين زميلاتك الرائعات، وربما مسحت الآن بعض دمعات، فأنا أعرفك وأعرف دميعاتك، التي تستغلينها ضدي، كي تلبى لك الطلبات، وتزجى لك المشتريات،. لقد كنتُ دوما ضعيفا أمام جبروت دمعاتك وبسمتك، وأبدا سأبقى..

***

* نورة:تذكري أن مَن على يمينك ويسارك، أمامك وخلفك، هن أهم وأعز وأخلص صديقات في كل من ستقابلين بعد الآن، فحافظي عليهن كما يحافظ الصائغُ على جواهره، فلن يحبك أحد من أجلك وبهذا الصفاء، وبتلك البراءة، إلا هن. أرجو أن تعي ذلك، وأن تخبريهن قبل أن تنتشل الأيامُ الكلامَ، بأنهن أجمل من في حياتك الآن.. وفي الغد، وما بعد الغد.

***

* نورة:لو كان لك أن تقبـِّلي يدَ كل معلمةٍ في مدرستك، كل من ألقـَتْ في رأسِكِ نورَ المعرفة، فبادري الآن، ولا تترددي.. فقد لا تجدينهن مستقبلا، عندما تعرفين حق المعرفة مقدارهن، وثمن المعرفة التي زوَّدْنـَكِ بها.. ثم أعطيهن كما تهبيني دائما ابتسامة نورة.. تلك العلامة المسجلة لك وحدك!

***

* نورة، نسيت أن أقول لك أهم كلمة، لا، لم أنسَ لأنها تجري في كياني.. فهي في الابتداء وهي في الانتهاء: أحبك يا نورة.. أحبك فوق التصور، وأحبك فوق الخيال.

أبوك: أبو نورة.