ويجادلونك في السينما (2من2)

سنة النشر : 29/12/2008 الصحيفة : الاقتصادية

 

.. لقد أثار المقالُ السابقُ كثيرا من النقاش، ولكني وصلتُ مع كل من حدثني من الغيورين والناصحين، والمؤيدين والرافضين إلى هذه النقاط:

- إن السينما تعني الصوَر المتحركة، وهي موجودةٌ من عقودٍ في بلادِنا، فنحن إذن نحاول أن نمنع شيئا موجوداً فعلاً.. مثل من يحرّك بدالتـَي الدراجةِ عندما ينفرط الجنزير، جهدٌ لا يؤدي إلى أي حركةٍ للأمام.

- وحتى السينما بمفهومها الذهني العام الحالي متاحة في كل بيتٍ، عن طريق القنوات الفضائية، وفي المجمعاتِ والنوادي، والشواهدُ لا تـُعـَد.

- وتحدثتُ مع من تفضـّل بمكاتبتي والتحدّث إلي، ومن ضمنهم مجموعة تكاتفت وأتتْ إلى منزلي، وكان الحديثُ صاعدا متصلبا بالبدايةِ، وفي النهاية اتفقنا جميعاً أن نتكاتف لنـدعم أي فيلم سينمائي تـُبـَث فيه معانٍ ممتازة وراقية بتشويق وحرفةٍ سينمائية.

- وكان من الشواهدِ الاستدلالية، أن منع الصحون اللاقطة (الدش) لم يُفـِدْ إلاَ في انتشارها، كانتشار الحرائقِ في الغاباتِ حين يغيب المطرُ، والمطرُ هنا هو السماحُ العاقل.. وكان انتشاراً سرطانياً لم يعمّ به إلا الشرُّ والفسادُ، وطغيانُ ثرواتِ من مارس المتاجرةَ الخفيـّة والمحرّمة نظاماً وقانوناً وأخلاقاً وشرعاً بالممنوع، وكان من الصعب أن تخرجَ قنواتٌ فضائيةٌ صالحةٌ مضادةٌ في جوِّ هذا التضييق والمنع. ولما فـُسِح للصحون اللاقطة وصارتْ حقيقة واضحة (لأنها كانت كما قلنا موجودة، ولكننا لا نعترف بوجودها.. وهو دسُّ الرأس بالرمال الشهير!) بادر من يرى بأنفسهم الصلاحَ، وتحت إشاراتِ المسموح والإتاحة، بأن يقوموا بدل الشجبِ السلبي، بينما أشجارُ الإفساد تنمو وحيدة في أدغالٍ واسعةٍ، بأن يؤدوا الدورَ من الضفةِ الأخرى: ضفة الخير والصلاح، بنفس الأداةِ، وبذاتِ التقنية، وبعين الاحتراف، وبوسائط الامتاع والتشويق.. فكان أن ظهرت قناة "المجد"، وما كان لها أن تظهر لو اعتقدنا أن الصحنَ اللاقط غير موجود، وهو يلوّح لامعاً فوق السطوح للناظرين.. ولما ظهرت القناةُ، صار لها الجمهورُ العريضُ، وسحبتْ جمهورا من قنواتٍ كانت مهيمنة وحيدة تؤدي ما تشاء وقت ما تشاء.. ثم تعاقبتْ وتكاثرتْ القنواتُ الدعوية، ومنها قناةٌ انتشرت في العالم باسم (الهدى) بالإنجليزية، ولقد كان أثرُها ملموسا في انتشار وتعزيز الإسلام في الشتاتِ ومواطن الأديان (أو اللا أديان) الأخرى.

- إن أكبر الأفلام تعرض في بيوت السينما بالخارج ولا تجد إلا نصفَ المسرح مليءا، ومن ضمنها فيلم (مناحي) الذي يُعرض بالبحرين، فالقاعةُ خاليةٌ إلا من نفرٍ يعدَّون عدّا، وانظر إلى تزاحم ثمانية آلاف امرأةٍ في "جدّة" فقط، كما قرأنا في الصحفِ السعودية، لدخول هذا الفيلم.. تزاحمٌ سيحلم به أي منتج سينما في العالم، ولن يحصل عليه.. والسببُ، فقط، الإغراءُ المعروفُ التليدُ عل مرِّ الزمن: "الممنوع مرغوب". وكأن الجموعَ تسجل موقفاً ضد هذا المنع في كل شيءٍ ومن دون مبادرةٍ لإزالته بالنزالِ والمواجهة.

- أنا أعرف شخصيا محترفين سينمائيين داخل المملكة وخارجها، وبعضهم بلحى لم يصلها الموسى منذ بزغـَتْ، من منتجين، ومصورين، ومخرجين، وسيناريست، ومؤقلمين.. باستطاعتهم، لو أتيح لهم، أن يقدموا الإسلامَ للعالم بالطرق الصحيحة، وتحت القياس والإرشاد الشرعيين.. فيلمٌ يراه ويبقى في وجدان الملايين. ولو صُوِّرتْ فقط سينمائياً حياةُ المصلح "محمد بن عبد الوهاب"، ومن المنظور التاريخي الباحث، وبشروط المحظور والمسموح الشرعي، فسأضمن لك فيلما يصل للملايين ويُدِرُّ الملايين، والأهم: يعيدُ وضعَ الصورةِ التي مالـَتْ كثيراً.. كثيرا.

- الآن.. الساحة ليست ممنوعةٌ حقاً، ولكن صناعةُ السينما موجودةٌ حقـّا.. وبسبب عدم الاتاحة، وطبع النكران والتخوفِ والتيبس تـُرِكـَتْ الساحةُ وحيدة لنمطٍ واحدٍ، ولفكرٍ واحد.. وستبقى، إن لم يبادر الآخرون بنفضِ الجمودِ ، والتخوّفِ، وإعادةِ إشعال المصباح بالمكان المُعتم، والبدء بصناعةٍ سينمائيةٍ ممتهنةٍ ومحترفةٍ وراقيةٍ ونظيفة. وبتاريخ الإسلام وحده آلافُ القصص ليراها العالـَمُ، ولترفع كل ما غشاه من ضبابٍ وتدجيلٍ ونزييفٍ، بسبب غياب الصناعة المناظرة..

بل – يا إخواني- هناك أفلامٌ أنتجتها هوليوود، نفسُها، وبها روايات عادلة عن الإسلام، شارك بها أكبر ممثلي ومخرجي عاصمة سينما العالم.. انقلبتْ وكأنها دعوة للإسلام، وبسببها انتهجَ كثيرون طريقَ الإسلام دينا، منهم مفكرون وكتاب ونفرٌ من الممثلين أنفسهم.. وسأدرجُ لكم يوما ملخصا عن كتبٍ أجنبيةٍ بهذا الموضوع، ألفها من أسلموا بسبب أفلامٍ سينمائية..

وقد أجرؤ لأكتب لكم مقالا، إن أذنتم لي، عن "الإسلام وهوليوود".. وسترون الضفةَ الأخرى!