ع البساطة !
سنة النشر : 05/06/2019
الصحيفة : اليوم
كل عام وأنتم بخير وأعاده الله علينا جميعًا ونحن بحالٍ أفضل.
إني من الذين يوقنون ويؤمنون بقوة البساطة، وبأن البساطة الفعالة هي قمة الذكاء الإنساني، وأن ما ينتشر بين الناس، يعم بالأرض، ويترحل عبر القرون وامضا واقيا، إلا وكان بسيطا. وأرى التعقيد صفة تفكير ربما ولكن ليست صفة ذكاء.
وأن الفكرة التي تبدو لنا معقدة، كما قد يحتج أحد محتجي المولعين بالتعقيد، إنما هي بسبب لمعة بسيطة، لمعة ملاحظة بسيطة، أو خاطرة بسيطة.. ثم يتغير العالم، ولا يعود كما كان. هل رأيت أبسط تعبيرًا وقوة تأثير عن كل المجلدات عبر الزمان عند كل الأمم في العدالة الإنسانية من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»؟
إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقي أيقونة عدل عبر العصور، واعتبره حكماء الأرض عبر الأزمان كذلك، بجملة بسيطة قالها اختصرت مطولات العدل حين قال: «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها.
أشهر كتاب بلاغة بالعربية واعتبرها ديلون وغيره الأحكم بكل كتب الحكمة، ما نسب للإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو كتاب «نهج البلاغة»، ليس لحجم الكتاب.. ولكن لأنه حكم، وكل حكمة جملة بسيطة، وستجد أن في كل لغة ولهجة محكية بالعربية والفارسية والأردية والأفغانية والتركية والأذربيجانية، وحتى في العالمية، حكما تتداول على ألسنة الناس تعود بأهلها لنهج البلاغة بدون أن يعلم المتكلمون لبساطة فهمها.
الذكاء هو أن تجعل الناس يفهمون قولك أو فكرتك ببساطة.. وليس العكس. وانظر أن من الأسهل أن تعقد الأشياء، والأصعب أن تبسطها. البساطة تتطلب خطفة ملاحظة، وإداركًا لماحًا، وبرق استنتاج، وومض ظهور. وأن البساطة تدخل العقل أسرع.. وتبقى أطول! البساطة تغير العالم، وليست التعقيدات المطولة.
لذا اعذروني إن كنت من غير المتحمسين لما يسمى بالعصف الذهني، حيث يجتمع المجتمعون لنقاش فكر أو رأي، ولا يخرج رأي ولا فكر من شدة التعقيد في النقاش، والتفرع المتفرع في النقاش، والنقاش للنقاش، وتجربة قوة الحناجر، وإثبات الحضور بالرأي المعاكس. فلا يخرج فكر ولا رأي.. ويبقى العصف!
وأجمل أيام العيد لما كان عفويا فرائحيًا بسيطًا.