من الذي سحر أعظم كاتبة في بريطانيا؟
سنة النشر : 07/02/2018
الصحيفة : اليوم
لفتني في مكتبتي المفضلة في البحرين كتابٌ اسمه: (الأشياء الصغيرة الكبيرة The Little Big Things) ومؤلفه شاب اسمه هنري فرايزر.
تناولت الكتاب من الرف وجلست في ركن طالما تعودت أن أنقل معي كتبا، وأجلس به أتصفحها حتى استقر على الكتاب أو الكتب التي سأشتريها.
أول ما بهرني بكتاب «الأشياء الصغيرة»، مقدمةٌ تعتبر قطعة من سحر الكتابة بالإنجليزية وفياضة بسيول العاطفة الحقيقية للسيدة «جي كي رولنج» وهي صاحبة مسلسل القصص الشهيرة عن الساحر الصغير «هاري بوتر».
لم يطلب السيد هنري صاحب الكتاب من السيدة رولنج أن تكتب له المقدمة بل هي، رغم شهرتها المدوية، طلبت منه أن تضع مقدمة الكتاب لأنها اعتبرته أعظم شخص عرفته بحياتها، وتمنت أن يقبلها بأن تكون صديقة له ليمنحها الإلهام. هنري كان شابا في السابعة عشرة من عمره ورياضي متفوق في لعبة الرقبي الانجليزية المعروفة، ويتمتع بوسامةٍ لافتةٍ، والحياة كل رياحها تنفخ شراعه لمستقبل واعد وناجح.. حين قُدِّر له حادث خطير ضرب بعموده الفقري وسبب له أسوأ أنواع الشلل، وهو الشلل الرباعي، أي أن الشيء الوحيد الذي يتحرك به هو فقط رأسه.
على أن الشاب هنري لم يستسلم، وآمن أن حياة أخرى تنتظره.. واكتشف قدرة داخلية فيه وهي حب الرسم.. وبالفعل بعد مدة من الإيمان والإصرار تمكن هنري من رسم لوحات بديعة الإتقان، متفائلة الألوان.. بفمه! لم يقف هنري عن الإنجاز حتى كان من آخر إنتاجاته هذا الكتاب الذي نويت أن أتصفحه، ثم اكتشفت أني قضيت أكثر من ساعة وأنا اقرأه متواصلا من فرط جماله وتأثيره علي.
ومن باب توارد الأفكار، تعرفون أن ليوناردو دا فنشي رسم أروع لوحات في العالم ومنها «الموناليزا»، أصيب في سنواته الأخيرة بالشلل بيده اليمنى التي يرسم فيها. ثم إن الذي صار أنه تمرن حتى تفوق وأبدع بيده اليسرى. ومثله يبتهوفن الذي فقد سمعه، وهو الموسيقي الذي يعتمد على دقة السماع، وأخرج أبدع أعماله أصمَّ.
العبرة هي في تجلي العدل الإلهي، فنحن لا نكتشف قدراتنا الإعجازية إلا عندما نتعرض، فيما نعتقد، أنها إعاقات كبرى، وإذ بالإرادة والإيمان والتفاؤل تتحول تلك الإعاقات الحابسة إلى أكبر الانطلاقات المفتوحة.