المسلخ التعليمي
سنة النشر : 03/05/2017
الصحيفة : اليوم
كتاب جيد، فصل جيد، معلمة أو معلم جيد.. يغيرون العالم. هذا كلام صادق. بل هو الأصدق في تغيير الأمم، وبلا جدال. ولما ندرج صفة موضوع لا يقبل الجدل، فمعناه أنه موضوع بدهي يتفق عليه الجميع كما يتفق الجميع على الماء والهواء والطعام.
فعندما تهمل في أمر عام يقبل الأخذ والرد واحتمال النتائج فهو أمر ممكن الفهم، ولكن بلا دواعي القبول. ولكن من يزل ويخطئ في أمر بدهي يرتكز عليه حاضر ومستقبل الفرد والأمة فهذا أمر مفجع، ومروع.. ونذير خطير أن حال الأمة مزعزَعٌ بالحاضر، ومهدد بالمستقبل. أمةٌ بلا تعليم جاد واحترام وتقدير جادين للمعلّمة والمعلم هي أمة ستنكسر.. وهذا أيضا أمر بدهي.
حال التعليم بما يتوارد في أوساط الناس، وفي شكوى المعلمات والمعلمين من سوء التعامل معهم والضغوط التي تعصرهم حتى القطرة الأخيرة تتوارد علي في رسائل خاصة، وأتوقع أن كل كاتبة وكاتب تصلهم هذه الرسائل التي تقبض الصدر.
يمكنني تحمل أي شكوى.. إلا شكوى معلمة أو معلم. وهذا ليس تعاطفا مع المعلمات والمعلمين وإنما هو تعاطفٌ، ويدي على قلبي، على مستقبل أجيال؛ الرأسمال الأهم ليس فقط لتقدم الأمة.. بل لبقائها. لما تعرف كيف تعيش معلمة كل يوم تحت ضغوط الطلبات التي لا تنتهي والتي تقص من ميزانيتها المحدودة بمرتبها، وتعيش تحت رعب إداريٍّ أو إدارية، أو ترى تلميذاتها يقعن على الأرض مغشيا عليهن من فرط التعرق حتى الجفاف لتعطل التكييف الدائم.
ما الدواعي التي ستجعلها تبذل كل طاقاتها التعليمية، بينما طاقاتها استنزفت حتى العظم؟! ومعلمٌ كتب إليّ أنه يشعر بأنه قطعة لحم في مسلخ!! مع مبالغة ذاك التشبيه، الا أنه يعطي انطباعًا قاطعًا على الحالة النفسية التي تجعله «بداهةً» ليس فقط صالحا لتعليم النشء، بل سيكون عاملا سلبيًا ومحبطا لهم.
تصدم العيون مشاهد في الميديا مرت على الجميع في الرعب بصناعة التعليم. التعليم مصباح يضيء العقول.. وعندما يكون التعليم لا يمارس وضع مصابيح في عقول النشء عن طريق معلمين ومعلمات سعداء بل يحرق شموع المصابيح عن طريق تعساء.. فإني أبحث عن صفة لذلك ولا أجد، لأسفي، غير صفة الرعب. والرعب الكبير إن كل ما قلته أمرٌ بدهيٌ يعرفه مسؤولو التعليم كلهم.. ونعرفه كلنا.
يا من علّموني.. سلام عليكم أينما كنتم.