سنة النشر : 13/04/2016 الصحيفة : اليوم
.. لطالما كنت واثقا بشيء، وهو أن الناسَ طيبون بالأصل، مهما بدت أخلاقياتهم وسلوكياتهم الظاهرة. في القاع مادة النفس الأصلية لكل إنسان وأكبر عناصرها هي الطيبة.
خضت نقاشات حول أن الناس بالأصل طيبون؛ بعضٌ لا يوافق، وبعضٌ يوافق بحذر، ويقول قد تكون الطيبة هي القاع كما تزعم وتدعو إليه ولكن صار غائرًا عميقًا غطته طبقاتٌ وطبقات من الصفات التي جعلت الإنسان المعاصر يميل للعنف والكراهية، وعزلته عن قاعه الطيب؛ هذا إن كان في القاع أصلا بقي شيء من طيبة.
وجاءت الفرصة لأثبت ما قيل أني أزعمه وأدعو إليه. وصلتني رسالة من سيدة تقول إن أخاها يعاني القلق الذي وصل لحد الكآبة، وتخاف أن ينزلق أكثر لأمراض نفسية وجسدية كما أخبرها الطبيب النفسي. وهي من اقترحت أن أرسل له على بريده الإلكتروني رسالة تحمل كلمات تشجيع وتفاؤل. وخطرت لي خاطرة وفرصة لإثبات أن الناس طيبون في الأصل، وأن الطيبة هي العنصر الذي لا يندثر ولا يموت، وما علينا إلا أن نؤمن بوجودها ثم نحاول أن نمسها، ولا أعتقد أنها غائرة بعيدة العمق؛ باعتقادي أنها كغبار يتجمع على سطح رخام لامع فيغطي لمعانه ويطفئ بريق أناقته، وبمجرد أن تنفخ به يتطاير ذاك الغبار ويعود سطحُ الرخام صقيلًا وهاجًا من جديد.
اخترت مئة شخص من متابعيني بحسابي بـ «تويتر»، واعتمدت باختياري الآلية التالية:
أ- اختيار عشوائي
ب- اختيار من الميالين للردود القاسية والهجومية والانتقادية على الآخرين (وهذا ترددت فيه كثيرا خوفا من أن يكتبوا شيئا يجعل المريض يزداد مرضا، إلا أنني تمسكت بنظرية القاع الإنساني الطيب)
ج- اختيار من الإيجابيين المتفائلين الذين ينثرون وردَ الكلمات في تغريداتهم.. وطلبت برسائل لكل منهم على الخاص أن يرسلوا رسائل تشجيعية ومساندة إلى بريد صاحبنا المكتئب الإلكتروني.
النتيجة: بعد فقط يوم واحد تلقيت رسالة من أخته، وأنقل لكم زبدةَ ما كتبت: "..لقد كان للرسائل التحفيزية التي وصلت من الناس لأخي مفعول السحر. رأيت دماء العافية لأول مرة تدور في بشرته، وتناول وجبته بشهية مقبولة بعد أن خسر في شهرين أكثر من عشرين كيلو جراما من وزنه، وبات شبحا يدور بيننا. وأمي التي لم تقف دموعها من أكثر من عام رأيت بسمات على محياها فوق الوصف.
الأجمل أن أخي عكف على الرد على كل رسالة بحيوية. وفعلت الرسائل الصادقة المحبة ما لم تفعله الأدوية والجلسات النفسية."
ووصلني من ضمن ردود أخيها رد على رسالتي التي بعثتها إليه، قليلة الكلمات لكنها أنعشتني بلحظات من السعادة الراضية، يقول فيها:" تلقيت كلماتك القلبية ولا أستطيع أن أصف سعادتي التي غابت عني طويلا بها، ولا أملك قدرة تعبيرية للشكر ولعل مشاعري هي التي تصل وتعبر." وبالفعل وصلت.. واستقرت بالقاع! وبعثت رسالة للأخت أستفسر عن عدد الرسائل التي وصلت من المئة الذين اخترتهم، وهل فيها رسائل تحمل كلمات سلبية؟ إجابتها لم أتوقعها رغم تفاؤلي واعتقادي بالطيبة البشرية كأصل خلقنا الله به، قالت: "كانت كل الرسائل جميلة ومشجعة.. والذي وصلنا 200 رسالة!" حمدا لك يارب.. ثبت أننا كلنا طيبون في الأصل.
كنت آمل أن يتجاوب ولو ربع من أرسلت لهم.. المفاجأة الطيبة، أنهم أرسلوا أيضا لآخرين.. والآخرون بأصلهم الطيب تجاوبوا.
أستودعكم الله أيها الطيبون.