رحلة سعيدة من السرير لخارجه

سنة النشر : 17/03/2016 الصحيفة : اليوم

 
المرض رحلة غريبة، رحلة كاشفة، رحلة تفتح بوابات أبعاد جديدة، خصوصا لما يترك المريضُ الجسد لأطبائه ومهتميه، وهنا يصفى العقل فوق الألم، وتنفسح النفس في رؤى روحية وإيمانية ونقاء عاطفي خالص.. إنه شعور قد ينقلك لعالم اليوتوبيا، أو عالم الأحلام.. ولكني سميته عالم الوعي والاستيقاظ الحقيقيين كما لا نعرفهما في حياتنا والصحة والطاقة الحيوية تتضحان بأبداننا.
 
اكتشفت برحلة المرض أن هناك قلبا جمعيا في لحظة معينة، لظرف بذاته، ولتأثر مباغت يصهر قلوب الناس بنبضة واحدة، هذه النبضة تؤكد لي أن الله خلق الإنسان طيبا، ومهما تراكمت الصفات الأخرى إلا أن تلك اللحظة الجمعية المحركة للكتلة العاطفية تجعل بريق ماسة الطيبة في بنية الأصل السلوكي البشري يصل متألقا متموجا يشع جسرا بين القلوب ليصل قلب من هو برحلة المرض.
 
من هبات الله على المريض المتوكل نسيان معاناة مرضه عندما يقتنع تماما بأن جسده المريض ليست مهمته، إنما هي مهمة الرعاية الإلهية أولًا ثم للطاقم الطبي.. وهنا تكون رحلة العقل والنفس والاستيقاظ الكبرى. برحلة المرض عرفت أن الله أهداني هذا الذي يسمى مرضًا ليريني نعمه التي لا يمكن ولا أقدر على تخيلها بوعيي العادي خارج المرض.
 
رأيت أن الناس يحبون الناس ويخافون عليهم ويدعون لهم وهنا تنسل كالجداول الشفافة العواطف الصادقة، ربما بأصدق ما يكون.. لأن ما الذي يرجون؟! عرفت وأدركت بوعيي الأوضح معنى أن يحرص أميرنا سعود بن نايف على السؤال ثم يزور زيارة كما يزور الاخ أخاه، والصديق صديقه، ولا لي صفة رسمية غير صفة مواطن من عرض الناس، ولكن المسؤول الحقيقي يرى من حوله بتلقائيته المُحِبة وبهذا الجوهر الذي حتى الآن لم أسبر غوره في صفات نادرة ولازمة بداخل هذه الشخصية الراقية التوازن.
 
لم تقف هواتف كل عائلتي، كل من ينتهي اسمه بالزامل تلقى الأسئلة والدعوات بشكل مستمر.. ماذا فعلت للناس؟ لم أفعل شيئا يحتمل كل هذه الأجنحة التى طارت بي من الدعوات والمكالمات والزيارات.. ولو صح الحلف لحلفت. وأنتم تعلمون وأنا أكثر أني لم أقدم ما يبرر كل هذا، إلا كما قال لي الشيخ المجدوعي بمثال شاهق وهو يزورني:
 
إن مدير المدرسة ينبه طالبه الغافي عن الامتحانات النهائية، فكيف بمدير الكون وهو ينبهك يا نجيب؟!" بمستشفى الملك فهد التخصصي، من مماسك قلبي، ووعيي الأنبه، عشت مع أروع الأطباء، وطاقم تمريض، وإدارة، وعاملين.. ووعيي واستيقاظي الكبيران بمكافأة الله وخيره بكل ما يقدّر لنا، يبقيان بما يحملان من حب وتعلق الدعاء لكل مريض بأن يمنحه الشفاء كاملا عاجلا بقدرة الشافي الأعظم.
 
وليت أني أطال هامة كل واحد منكم فأقبلها.