حمزة السالم، المتخندقُ وحيدًا
سنة النشر : 02/03/2016
الصحيفة : اليوم
الدكتور حمزة السالم، الأستاذ الجامعي المعروف بجامعة الأمير سلطان والكاتب بجريدة الجزيرة، صديق وزميل كتابة، تجاورنا معا في كتابة المقالات، وحمزة السالم رجل مرعب عقليًا، ولما قال لي يوما، اصبر عليّ أنا في لندن، وأول قدومي سأكتب رأيي عن مقالك -وهو وقتها مقال أثار نقعاً- ارتعدت فرائصي، فهو ينقض انقضاضا على طريدته بمخالب تحليلية حادة الاتصال. على أنني- برعاية ربي - نجوت؛ فقد كان راضيا عما كتبت، وكدت أقيم احتفال ألعاب نارية فرحا بالنجاة وبتقريظ من لا يمارس المجاملات.
حمزة السالم ليس مصارعا، ولا مترصدا بالليالي في زوايا الجادات ونصله يلمع وعيناه تومضان من وراء لثام، حرفيا، ولكنه فكر ومنطق وصراحة وحماسة وحرارة وتضجر.. نعم! وقبل أن أبدأ بهذا المختصر لا يجب أن يُحكم علي أني مع الفكر الذي يتحزم به الدكتور السالم ولا ضده، ولا مقدار علمي يسمح بذلك، ولكني أعالج موضوعا من ناحية أنثروبولوجية بإسقاط هذه النوعية من العقول والشخصيات الباطشة الصراحة وقدرتها على رمي الأحجار الاستيقاظية في بِرك المجتمعات التي تعودت السكون.
الدكتور حمزة صاحب دماغ بمولدات هادرة وهذا خلق وتجهيز إلهي لمهمة، لرسالة، أو لهدف؛ مما لا يتركه يهدأ ولا يضطجع مرتاحًا فهناك رأس مدبب بين ضلوعه ولا بد من ازالته.. ولكن ليزيله عليه أن يغير مجتمعا برمته.
حمزة السالم تخصص بواحد من أكثر العلوم تعقيدا ودينامية، الاقتصاد المالي، علم وفلسفة ونسق رياضي مع خيال في البناء التحليلي الذهني الجاف يضاعف صعوبته ضبابية التنبؤ بالمسار والفهم والمزاج والمكر الإنساني.
اذن مع ذكائه تخصص بمجال يستهلك الذكاء كما تستهلك التربة الماء لتخرج ما بضمير الأرض من نبت. والذي يجعل السالم برأيي يبدو ميالا للحدة والعصبية أمران:
١-،أنه يرى الخطأ واضحا "أمامه" لغياب الفهم المنطقي، ويرى الحل ساطع الوضوح "أمامه" ومدللا منطقيا كالقوانين بالهندسة والفيزياء.
٢- يزعجه جدا ألا يفهم الناس ما يراه مفهوما فتراه يأكل جُمَله أحيانا وكأنه ينتقم من عقله.. ومن خطل عقول الآخرين.
شخصيات كثيرة عبر التاريخ بذات المواصفات غيرت المجتمعات ليس بالضرورة لأن أفكارها غيرت مباشرة ولكن لأن طبائعها اللانمطية حفزت تروسا كانت بحاجة لهذه الطبائع كي تعمل. تشرتشل البريطاني كان عنيدا نزقا، وقاد بريطانيا بعقل وَقّاد وحب وطني نادر، ونجح وأخفق، وكذلك "محمد علي جناح" ابو أمة باكستان و"آلان تيورنغ" العبقري العصبي العنيد فك شفرة الألمان وساهم بنصر الحلفاء وهو ابو العقل الالكتروني.. حمزة السالم هل هو واحد من هؤلاء أم هو الفارس الحالم الغاضب «دون كيخوته» محارب طواحين الهواء؟ ربما مزيج، لا أدري.
ولكن بصراحته المتناهية وعدم وضع أي حجاب على أفكاره وآرائه، وعناده ومزاجيته وبركان دماغه يقدم نموذجا غير عادي لبلادنا..
وآن لنا أن نستمع لغير العاديين، وإن لم يطربونا!