هم بالنسبة لمملكتنا ليسوا سفراء
سنة النشر : 17/02/2016
الصحيفة : اليوم
.. قبل سنوات انعقدت صداقة قوية بين السفير السنغافوري بالرياض السيد "ونج" وبيني، ونلتقي خارج الإطار الرسمي، وعادة ما يكون معه أحد مقالاتي بجريدة "العرب نيوز" - كنت أكتب بها ذاك الحين- ليبدأ نقاشا يتفرع لمجالات الفكر الإنساني، فهو وأنا مهتمان بعلوم الحضارات الإنسانية ونتناقش طويلاً بتركيبة الأخلاق ومنظومة السلوك والتكوين التشريحي في الأقوام البشرية في غرب وجنوب آسيا، ونختلف ونتفق ثم يأتي كل منا بدلائله في الجلسات القادمة.
أكبر همٍّ للسيد "ونج" كان توطيد علاقات بلده مع المملكة، وهمّي كيف نستفيد من أقصى ما تمكننا الظروف من التجربة السنغافورية، ونعمل معا على صعيده الرسمي وعلى صعيدي الشخصي؛ للبحث عن أفضل الطرق التي يفوز بها الطرفان. على أن هذه الصداقة مع الوقت تبلورت إعجاباً كل منا بصديقه، فتصير مناسبة مهمة هنا فأدعوه، وتصير مناسبة من حوله فيدعوني.
كان صديقي "ونج" حسب الأعراف الدبلوماسية بالتقادم الزمني يرأس مجموعة سفراء دول شرق آسيا الثمانية الممثلين في المملكة، ولكتلتهم اجتماعٌ دوري.
هاتفني ليخبرني بأنه وسفراء تلك الدول يدعونني للغداء بصفة غير رسمية، دعوة الأصدقاء للأصدقاء. بالنسبة لي كانت فرصة مقدمة على صينية من بلاتين لأتحدث عن بلدي وشباب بلدي، بالذات مع ممثلي ثماني دول مهمة، هي: سنغافورة والفلبين وإندونيسيا وبروناي وماليزيا وفيتنام وميانمار وتايلاند.
بادر السفير الفيتنامي السيد "تويين" بالحديث متسائلاً بأن السعوديين لا يعرفون فيتنام، وأنهم مهتمون بمناطقهم القريبة. وقلت له دعني أصحح شيئًا برأيك، الصورة القبلية بأذهانكم عن السعوديين تصنع انطباعاً مشوشا، فالسعوديون مهتمون بالعالم ومطلعون على الجغرافيا فهم أهل سياحة وتجارة، وأخبرته عن تاريخ فيتنام من قبل ظهور البوذية ونمو لغتها الحالية متفرعة من حضارة الخمر وكيف أن الفيتنامي له ثقافة مختلفة عن الكمبودي مع تجاورهما، وأن البوذية اتخذت منحى جديداً لما وصلت لفيتنام قادمة عبر كمبوديا.. وأن الشباب السعوديين يعرفون أن فيتنام من جنوب شرق آسيا، وأنها كانت مستعمرة فرنسية ثم تحارب فيها السوفييت والأمريكان لما انشقت فيتنام الشمالية مكونة جمهورية شيوعية. اتسعت عينا السفير تعجباً، وقلت له دعني أدعو ذلك الشاب في الطاولة البعيدة.
وبالفعل تقدم الشاب وعرّفته بنفسي وسألناه عن فيتنام، وحدثنا بل أضاف غامزا بعينه أن لمجموعة الزامل حضوراً صناعياً في فيتنام، والشاب يسميها "نام" ليس بسبب الاختصار الأمريكي المعروف، بل لأنه اسمها الحضاري القديم، فصفق السفراء. كان شيئا تلقائيا، ولكن من تعاملي مع الشباب أعرف.. لا يخذلوننا. ولاحظت ابتسامة جانبية بعيني السفير.
كان الحديث ذا شجون أيضا مع السفير الفلبيني السيد "عز الدين"، إي والله هذا اسمه، ويتحدث العربية باللهجة المصرية وكأنه من قلب بولاق بالقاهرة، أمه مصرية، وأبوه فلبيني مسلم ودرس بجامعة القاهرة. وضّح السيد "عز الدين" الروابط الخاصة بين الفلبين والمملكة من الناحية البشرية الفردية فتواصل الدولتين عبر العنصر البشري في المقام الأول، واتفقنا أن بالفلبين أجمل منتجعات الأرض، ولكن الصورة ضبابية ناتجة عن تقصير مكاتب ومؤسسات الدعاية السياحية للفلبين.
ومع السفير الماليزي السيد البروفيسور"محمد السقاف" وهو حجة باللغة العربية وخريج "جامعة المدينة المنوّرة" وشكرني عن شعبه، ولم يقصد الشعب الماليزي وإنما الشعب الحضرمي، مشيراً لمقالي: "الحضارم أساتذتي الكبار"، وكانت رغبته كبيرة في إنماء مشاريع مشتركة بمجالات الأعمال والثقافة والتعاون الخاص بين البلدين. قلت لهم مودعا: "أنتم بالنسبة لبلدنا لستم سفراء.." وأكملتُ: "أنتم أصدقاء بلدنا!".