هل هناك خطأ لو تعلمتُ من «كيت»؟

سنة النشر : 04/11/2015 الصحيفة : اليوم

 
.. "كيت وينسلت"، في يومٍ ما، في العام 1996م كانت واحدة من أشهر شخصيات العالم، وأشهر نجمات السينما العالمية. شهرتها ذلك الوقت كانت بفضل الفيلم الذي ملأ العالم وشغله، وواحد من أكثر أفلام السينما إيرادًا في التاريخ، والأكثر حصدًا لجوائز الأوسكار، الفيلم الشهير باسم «تينانيك»، وشاركها الممثل الأمريكي «ليوناردو دي كابريو». مضت العقود، و«كيت وينسلت» ما زالت على اللائحة الذهبية لممثلي وممثلات هوليوود والسينما البريطانية.
 
هذه الممثلة لا يمكن أن يقال عنها إلا كما يقال عن باقي الممثلات إنها ليست أنموذجا للأخلاق.. طبعا. ولكن كيت وينسلت الفتاة الصغيرة في فيلم «تيتانيك»، كبرت وأصبحت امرأة وزوجة وأما. والذي لفتني ليس تاريخها الفني، إنما مقابلة أجريت معها، قرأتها وتعجبت، كيف تربي هذه الفنانة أبناءها بصرامة كي يقوى عودهم، ويصعد احترامهم لذواتهم، وكأنها من بطلات سيدة الأخلاق.
 
تقول السيدة «كيت» الأم والتي لديها ثلاثة أبناء من الخامسة عشرة حتى طفل صغير، إنها تمنع أبناءها تماما من شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا المنع يأتي صارما بالتطبيق وليس فقط بالتنبيه والنصح.
 
لما سُئلت لماذا لا تنصحينهم وتعلمينهم الخطأ والصح ثم تتركينهم كباقي الناس مع الشبكات بحذر، لأن هذا يعتبر فصلا عن العالم وأحداثه وتغيراته السريعة؟ كان رد الممثلة الأم: «لا، في هذه الأمور ليس هناك قضية تحذير، إنها كالمخدرات، منعٌ قاطعٌ نهائي، نقطة آخر السطر. المخدرات تربك العقل فتخرب خلاياه العاقلة وتجعله عطشا مستديم الظمأ للمخدرات لا يطيق عنها صبرا.
 
وكذلك الانترنت بكل أشكاله هو أكبر فاصل اخترعه الإنسان بين أعضاء أي عائلة. لم تعد العوائل تتواصل، حتى وإن تقاربت بالأجساد إلا أنها متباعدة تماما بالعقول في عالم سري خاص عميق لا قرار له، وينجرف له العقل ثم لا نهاية لهذا الانجراف، وفي الطريق يفقد المرء ذاته، واحترامه لكينونته واستقلاله الخاص الذي يبني الإنسان العادي ودماغه وشبكة أعصابه كما يبني الغذاء الأنسجة والعضلات والعظام.
 
تقول السيدة «كيت» إن بيتها متحرر تماما من أي صلة بالإنترنت، وتصر أن تكون صلتها مع أبنائها في عالم واقعي فقط وليس افتراضيا، أو ما سمته الحياة الكلاسيكية الطبيعية. فأولادها لا يملكون أي جهاز من هذه الأجهزة الذكية، بل إن بيتها خال من أي موصل الكتروني.
 
لذا فهي تقول إن أدمغة أبنائي وأخلاقياتهم تنبني طبيعيا وباعتزاز وبجهد، فلا مجال مثلا للألعاب الإلكترونية فهم يلعبون الألعاب الذهنية التقليدية كالشطرنج، ولعبة الاحتكار «المونوبولي»، والكلمات المتقاطعة، والقراءة من المكتبة من كتب ورقية حقيقية.
 
وينهلون الأخلاق «الحميدة» البعيدة عن «الفحش والمناكر» ليكونوا أصحاء الضمير ومكتملي الوعي. يبدو أني تحمست قليلا، ولكن من يلومني؟! إذا كانت ممثلة عليها ما عليها، تقوم على فصل أبنائها من أكبر خطر تربوي نفسي فكري وتدميري للذات ومعطب للأخلاق.. فكيف يترك عاقل متزن الفكر والإيمان والأخلاق أبناءه في أوائل تكون وعيهم مع أجهزة جعلتهم يهجرون عائلاتهم الحقيقية، أحيانا هجرا نهائيا قاطعا.. ونراه بوضوح، ولا نبصره!