إلى أمانتنا الغالية: هل أكمل شرب الشاي؟
سنة النشر : 26/08/2015
الصحيفة : اليوم
التنافس محرك الحياة. التنافس جوهر طموح الإنسان للأعلى، للأفضل، وللأحسن. مكان تموت فيه روح المنافسة هو مكان بليد، ولا حل لبلادته. تنتفض المخلوقات كلها بالتنافس. ورق الشجر يتنافس من أجل الانكشاف على الضوء. الورقة التي تستعرض الضوء هي الأكثر اخضرارا، وتبهت تلك التي اختبأت وراء غصن بلا حركة فتصفر وتموت.
الحياة الطبيعية في الغابات والصحاري والجبال وقيعان المحيطات حركة دائبة مستمرة في التنافس. إن الله وضع التنافس ناموسا لهذا الكون. هندسة هذا الكون وفلسفته محورهما التنافس من أجل الوفرة، والترقي.. والبقاء. بحديقة عامة جلست أقرأ في كتاب، ووضعت كأس الشاي الورقي على الأرض لم أنته منه.
وجاء رجل نظافة، وسألني"هل انتهيت منه؟" قلتُ: "لا". قال: "إذن ضعه بجانبك، فإنك قد تستغرق في كتابك هذا وتنساه". لأن واجبه أن يكون المكان بأكثر نظافة ممكنة قبل أن يأتي المراقب، ولأن هناك مسابقة بين بلدية الحي وبلديات أخرى ضمن بيت المدينة العام (ما يعرفون مثلنا يسمونه أمانة) تجرى سنويا لأفضل البلدياتِ أداءً.
هل غفلنا عن جدوى المنافسة؟ وربما تكون قائمة، ولكن بلا وقودها من أجل أداء العمل بصورة أفضل. الأمانة تعمل لتظهر المدينة بأحلى ما يمكن أن تتباهى به المدن. ثم يحدث أمر، الرضا والثناء الخارجيان يعودان على قلة بأعلى هرم الأمانة. لو أن الرضا والثناء متاحان للمسئولين الأصغر لجرى عليهم قانون المنافسة الذي بذلت فيه ورقة الشجرة جهدا لتنال الضوء فلا يكون مصيرها كتلك الورقة المختبئة - أو خُبئتْ رغماً عنها - فاصفرّت وبهتت ووقعت.
إن مسابقة تنافسية سنوية حقيقية بين البلديات الصغيرة المتناثرة في المدينة تتوج بها البلديات بالمراكز الثلاثة الأولى بحفل سنوي عام تحت رعاية واهتمام سمو أمير المنطقة، ستشعل حركة عارمة بكل أجزاء الأمانة، والنتيجة: أفضل وأرقي ما يمكن.
وستظهر منتجات جانبية حيوية أحدها التواصل مع أهل الحي لكل بلدية، لأن المسئول وموظفيه سيحتاجون دعم أهل الحي للفوز الكبير.. وننتهي بأن كل المدينة تتفاعل حسب هذا التراتب الذي يبدأ من سفوح الهرم لأعلاه.
وسيأتي موظف البلدية ويخاطب صاحب البقالة، والبيت، والمطعم، ويقول: "هذا الذي تجمع أمام رصيفكم هل تحتاجونه؟" فإن قالوا لا؟ فسيقول لهم: "إذن أزيلوه!".
هذا الحوار لن يكون أمرا وتهديدا، إنه تفاعل شخصي من وجدان لوجدان، كتفاعل رجل النظافة معي حول كأس الشاي. لا جديد في هذا، وهو سهل جدا، ولا يكلف مالاً وجهدا أكثر، بل ربما أقل. وسيكون القليل الأكثر تأثيراً.. وليس الكثير الأقل تأثيرا.
إن لمعتْ هذه الآلية التنافسية بأذهان مسئولي أمانتنا فسأكون من السعيدين، وإن لم تلمع.. فسأدسّ رأسي بكتابي.. وأكمل شرب كأس الشاي.