عائشة

سنة النشر : 11/07/2009 الصحيفة : اليوم

 

.. لو قلتَ لكاتب من الكتاب لقد قرئ مقالـُك في ألمانيا لسُعِدَ وابتهج، ولو قيل لي ذلك لسُعِدتُ وابتهجتُ. ولكن لما صار فعلا، تلمّسْتُ السعادةَ والابتهاجَ فلم أجدهما.

كتبتُ هنا عن عائشة الخالدي التي تصارع أقسى آلام مرض الرحمة، من الأمراض النادرة الذي لا يوجد له إلا علاجٌ تجريبي أثبت نجاحه في أمريكا وألمانيا، ولما عولجت به في «مايو كلينك»، استقرت حالتُها، ثم بدأت بالتحسن، وكما قال طبيبُها فإنها لو مكثت ستة أشهرٍ أو سنةٍ فإنها بإذن الله ستشفى.. ثم جاء أمرُ وزارة الصحة ممثلة بملحقيتها الصحية بوقف العلاج والعودة للمملكة ضد توصية الطبيب الذي وصلني تقريره.

وكما حكى لي، برسالة ألكترونيةٍ، أخوها سلمان أنه جاءه اتصالٌ من ألمانيا وإذا بالطرف الآخر يقدم نفسه أنه الدكتور «عبدالحكيم الحوقي»، من مستشفى بألمانيا، وهذا المسشتفى متخصص بأمراض السرطان، وقال له: لقد قرأنا مقالة نجيب الزامل وتفاعلنا مع موضوع عائشة ، وتوجهتُ لإدارة المستشفى وعرضت عليهم حالة عائشة، ووافقوا أن يقدموا لها العلاجَ الكيميائي ( ويكلف في كل جرعة أكثر من ثمانين ألف يورو) مجانا!! نعم مجانا، مع تأشيرة السفر، والسكن والتنقل.. ويتحمل أهلُ المريضةِ فقط المصاريفَ النثرية التي هي زيارات الأطباء والتفاصيل اليومية. وأجدها مناسبة لمساعدة الأخ سلمان مادياً فقد أتلف كل ماله وممتلكاته من أجل أخته، وحطـّتْ عليه الديون.

لو كان الموضوعُ مختلفاً لتقافزتُ هنا أمامكم، واستعرضتُ فرِحاً.. ولكني لم أفرحْ، بل أخذني همٌّ وغـَمٌّ غامضان.. لماذا تفاعل مع عائشة من يقيم في المانيا بعيدا، ويتفاعل معها مستشفى عالمي تجاريّ شهير، وهنا لا أجد صدىً.. ولا تفاعلا، ولا ما يحزنون ولا يفرحون؟

قضية عائشة يا أهلنا وأصدقاءنا وكتابنا، ليست مجرد قضيةِ واحدة اسمها عائشة، هي قضيةٌ تمسّنا جميعا، تمس مرضانا كلنا، وتمسنا نحن لو لا قدر الله، شاء لنا المرض، فمن سيهتم بنا إن لم يكن القيّمون المسئولون المؤتمنون على صحتنا؟ ثم يبكيني والله هذا التيبّسُ في القلوب، وهذا العبوسُ الوظيفي.. قولوا أيها المسئولون الذين لا تنبض قلوبُكم مع قلوب الناس: أسألتم أنفسَكم لماذا أنتم في مواقعكم؟ هل من أجل سوادِ عيونكم، أم من أجل هؤلاء الناس؟ هل نسيتم يوما تقفون فيه على الصراط أمام القاضي الأعظم؟ هل صرتم حتى تبخلوا بالمعاملة الحسنة؟ حتى بابتسامةٍ بوجه مريض من أجل الله. طردتم عائشة، آمنا ورضينا.. ولكن لماذا لم يتصل منكم أحدٌ بكلام طيبٍ لتهدئتها ويهدىء أهلَها؟ ما الذي تستفيدونه من استخدام السلطة أمام بسطاء الناس؟ استيقظوا، أولا من أجلكم، قبل أن يكون من أجل الناس.

أنا متأكد لو هناك ردٌ مناسب لما أمسكتْ عنه الصحةُ حتى الآن؟ قولوا أي شيء وأنا مستعد أن أقف ضد عائشة، وضد ضميري، وأصدّقكم.

نعم، قُرئْتُ في ألمانيا ولم أكن سعيداً.