سنة النشر : 13/04/2021 الناشر : توفيق السيف | صحيفة الشرق الأوسط
يذكرني رمضان بصديقي نجيب الزامل، الكاتب والرائد الاجتماعي، الذي رحل عنا في مطلع العام المنصرم. لطالما شعرت – حينما كنت ألقاه في مثل هذا الشهر - بأني محظوظ بصداقة هذا الرجل العميق التفكير، المتوقد العاطفة، البشوش الوجه، الذي أجمع الناس على محبته.
آمن المرحوم نجيب بأن السعادة ليست أمرًا مكلفًا، ولا ينبغي أن تكون كذلك. ستنال السعادة إذا تسببت في إسعاد الآخرين. جرب الاعتياد على التبسم في وجه من تراه، من الأقرباء لك والغرباء عنك. فكيف تظنهم سيردون؟
الاحتمال الأقوى أنهم سيبادلونك التبسم. تخيل الآن أنك دخلت مجلسًا أو دائرة أو سوقًا فوجدت الوجوه كلها باسمة... ألن تشعر بالحبور والتفاؤل؟ تخيل أنك تواجه هذا المشهد كل يوم في موقع العمل، وفي السوق، وفي البيت، ألن تكون الحياة أجمل؟ هذا قدر من السعادة لا يكلف أي شيء، وهو متيسر لكل إنسان، صغيرًا كان أم كبيرًا.
إن أردت أن ترى وجوهًا باسمة في كل ساعة من ساعات اليوم، فليكن وجهك باسمًا، في كل ساعة من ساعات اليوم.
الذين يحملون وجوهًا حزينة أو مكفهرة، لديهم مبررات كثيرة، بعضها معقول وبعضها مضحك أو على الأقل ضعيف. سألت صديقًا من أهل الوجوه الخشبية الخالية من أي تعبير: لماذا لا تبتسم حين تواجه الناس؟ فأجابني بأن هذا يقلل من هيبة الإنسان. ولاحظت يومًا أن صديقًا لي استدار مبتعدًا؛ كي لا يضطر للسلام على شخص حضر لتهنئته بزواج ابنه، فعاتبته، فقال إن هذا من نوع التكبر على المتكبر. ثم وجدته يبذل جهدًا كي يبرر صنيعه، ولو تلطف وقابل ذلك الشخص بوجه بشوش، لكان أقرب إلى السعادة، ولأمكنه أن يروي لأبنائه يومًا أن جميع الناس جاءوه مهنئين، لكنه الآن لن يستطيع ذكر هذه الحادثة، لأن تصرفه لم يكن مدعاة للفخر.
الحياة ملأى بالمرارات، ونحن لا نستطيع إصلاح العالم، لكننا نستطيع التحكم في أجسامنا وانفعالاتنا. نحن من يجعل وجوهنا مكفهرة أو مشرقة. ولنحمد الله أن لدينا وجوهًا وقلوبًا، وأننا نستطيع أن نرى الناس كما يروننا.
لا تحول مجلسك إلى مأتم؛ فقد تخسر محبيك. رأيت مريضًا في المستشفى يتأوه لانقطاع أهله عن زيارته، فكلمت قريبًا له، فأخبرني بأن أهله كانوا ملتزمين بزيارته، ثم انقطعوا عنه لكثرة عتابه لهم وسيئ ما يقول عن آبائهم. وحسب تعبير هذا الصديق فإن بيت ابنته كان يتحول إلى مجلس عزاء، بعدما يعودون من زيارة أبيها. وأخيرًا تعبوا منه وتركوه يتألم وحيدًا. فأيهم المذنب يا ترى؟ وأيهم الظالم لنفسه؟
إذا رأيت الناس يتعاطفون مع حزنك، فاعلم أنهم سيحبونك أيضاً لو رأوك مبتسمًا. وإذا رأيت الناس يظهرون الاحترام إذا قابلتهم بوجه غاضب، فاعلم أنهم لا يحترمون مقامك بل يتقون شرك.
لم يعلم أكثر الناس (وأنا واحد منهم) أن نجيب الزامل كان مريضًا منذ شبابه (وقد توفي بسبب ذلك المرض)، لكنهم رأوه مبتسمًا على الدوام، يدعو الناس إلى المحبة والفرح فأحبوه؛ لأنهم وجدوه سببًا لسعادتهم. أعرف وتعرفون كثيرًا من الناس، كان بوسعهم أن يكونوا مبتسمين دائمًا مثل نجيب، لكنهم فضلوا مقابلة الناس بوجوه خشبية أو مكفهرة، فمن يذكرهم اليوم مثلما نذكر نجيب؟ ومن يتحدث عنهم مثلما نتحدث عن داعية المحبة هذا؟