ثمرات العطاء

سنة النشر : 30/01/2021 الناشر : عبدالله العزمان | صحيفة اليوم

 

تحدثنا في المقال السابق عن السعادة المصطنعة، وذكرنا أنها تتمثل فيما يظنه البعض منا في المال أو في اقتناء الكماليات المختلفة، وخلصنا بأن السعادة الحقيقية هي في القناعة والرضا بما لدينا، كما أننا نشير هنا إلى أن السعادة تتمثل كذلك في البذل والعطاء، ألا تجد أننا حين نسهم في رسم الابتسامة على وجه الفقير والمحتاج واليتيم ينتابنا مع ذلك شعور يغمرنا بالفرح قد لا نستطيع أن نصفه أو نعبر عنه، سعادة تغمرنا لم يكن لنا أن نجدها في أي صورة من صور المتع الدنيوية المختلفة.

ولا شك أن العطاء درجات تختلف بحسب درجة الإسهام، فأولى درجات العطاء هي أن تعطي ما زاد على حاجتك، وأفضل من ذلك أن تقسّم ما تملكه بينك وبين غيرك، أما أبلغ درجات العطاء فهو أن تؤثر غيرك على نفسك، وهو ما لا يفعله إلا النادرون من البشر.

فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، ووافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا. قال فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر -رضي الله عنه- بكلّ ما عنده، فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا)، والعطاء هو أفضل تمرين للنفس لكونه يربيها على ترك الأنانية، ويدفعها إلى التضحية ويعينها على الإحساس بحاجة الآخرين وبقيمة البذل وثمرته، ويسهم كذلك في تعويد النفس على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والعطاء لا يقف على البذل المادي فقط، بل يشمل كل أنواع المساعدة المختلفة قليلة كانت أم كثيرة، بل وفوق ذلك، فهو يشعرك بالسعادة ويعود عليك بالأجر، قال رسول الله ﷺ: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)، ومن الأمثلة الشائعة للبذل غير المادي، هو ما تشهده مجتمعاتنا اليوم من اهتمام بالغ لفئات مختلفة من الفتيان والفتيات بالبرامج التطوعية، حيث إنها أصبحت تمثل ظاهرة إيجابية وممارسات رائعة ومشرقة، ولا شك أننا بحاجة إلى دعم مثل هذا النوع من الممارسات الإيجابية وتشجيعها لتستمر ولا تتوقف، ولكي لا تتحول إلى برامج موسمية، بل لتصبح ممارسات دائمة ومنهج حياة.

العطاء قيمة عظيمة تحتاج إلى نفوس سامية لا يحد من طموحها في البذل شيء ما، رحم الله رائد ورمز العمل التطوعي الخيري في المملكة الدكتور نجيب الزامل، الذي سخر نفسه الطيبة للعمل الخيري ولدعم برامجه المختلفة، ولقد كان -رحمه الله- مثالًا يحتذى به في هذا الجانب، ولم يكن المرض سببًا ليثنيه عن المزيد من التضحية بوقته وماله، لأنه كان يحمل قلبًا محبًا للخير ونفسًا كبيرة تواقة للبذل والعطاء.

قال المتنبي:

وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام.

​​​​​@azmani21