الوالدة في أبها ونجيب في الحرم

سنة النشر : 01/02/2020 الناشر : صالح بن حنيتم | صحيفة اليوم

 

الرحيل مرٌّ، وخاصة عندما يكون الراحل الوالدة، من فقد والدته يعي جيدا ألم الفراق نتيجة الفراغ الذي يتركه غياب الأم بعد رحيلها، وعليه أدعو لكل من والدته على قيد الحياة، أن يمتعه الله بوجودها فهي بمثابة كنز لا يقدر بثمن.

طيلة عمري أردد الجملة التالية لمشاركة الآخرين العزاء فيمن فقدوا أمهاتهم قائلًا: -أحسن الله عزاءكم في الوالدة-، ولكن لم أتخيل يومًا ما أن أسمعها في عزاء والدتي، أيضا نفس المشاعر عند الصلاة على الميت، إذ كانت صلاة الجنازة يوم الإثنين 11 جمادى الأولى 1441 الموافق ٦ يناير 2020 في مسجد الملك سلمان بأبها غير ولن أنساها، عندما قال الإمام الصلاة على (الميتة) لم أتمالك مشاعري، ولم أتحكم في دموع الفراق وأنا أشاهد -والدتي- ممددة جسدًا بلا روح، يلفها الكفن الأبيض كبياض قلبها الذي كان دوما ينبض بالعطاء وحب الخير.

عزاؤنا، أن الموت سنة الحياة، وأنها ذهبت إلى أرحم الراحمين، وبحمد الله سمعنا نحن أبناءها وبناتها من أهل القرية خاصة والقبيلة عامة من قصص ومواقف البر والعطاء من المعزين، ما يعود تاريخها لعشرات السنين ومن تلك الأعمال الخيرية ما امتد فعله إلى وقت قريب قبل أن ينهك جسدها المرض، كانت حريصة -رحمها الله- على كتمان ما تقوم به ليبقى مجهولا عند العباد معلوما عند رب العباد.

كتب عن الأمهات وعن شمائلهن من الكتاب والأدباء وغيرهم الكثير، وتبقى أجمل الكلمات والأشعار ما يسطر عن الأمهات، كنت ومازلت أستمتع بكل مقطع أو قصة أو حكمة أو قصيدة تتعلق بالأم وتضحياتها، ومن الهدايا التي تلقيتها كتاب عن الأم للأديب حمد القاضي عن والدته رحمها الله، بعنوان -مرافئ على ضفاف الكلمة- وجدت المتعة في الإبحار بين صفحاته.

فيما يخص الحزن على فراق الوالدة، تذكرت ما قاله دكتور محمد الأنصاري، يقول: درجة الحزن أثناء العزاء أخف على النفس ولكن بعد أيام العزاء ومغادرة المعزين، تبدأ لوعة الفراق وفعلا بدأ شريط الذاكرة مع الذكريات في العودة للماضي، وكأنني أشاهد فيلما سينمائيا طالت عملية إنتاجه، فوالدتي -رحمها الله- تجاوزت التسعين عاما من العمر، أي إنني أمام فيلم قيم وثائقي، اجتماعي، إنساني وخيري.

لمحبتي للحديث عن عظمة الأمهات اخترت الحديث عن الأم، عندما شاركت في مسابقة "التوست ماسترز" بخطبة عن الأم بعنوان "ملاك يمشي على الأرض" ذكرت فيها خمس خصال تختص بها الأمهات فقط دون سواهن. طلب مني الأستاذ نجيب الزامل -رحمه الله- وعدا أن ألقيها في منزله العامر في أحد الاجتماعات ووافقت على طلبه، ومن يومها لم تتيسر الظروف لكثرة اجتماعاته -رحمه الله-، فسبحانك يا رب، شاء الله أن أفقد من طلب مني أن أعيد خطبة الأم بنفس اليوم الذي فقدت فيه والدتي، إذ صلوا على حبيب الكل نجيب في الحرم، ونحن صلينا على والدتي في أبها. رحمك الله يا أمي ورحمك الله يا نجيب.

Saleh_hunaitem@