نجيب الزامل: صدق القصيبي في كل ما قاله
سنة النشر : 03/03/2008
الناشر : صحيفة عكاظ
يقول الكاتب نجيب الزامل: رأيت الدكتور جميل الجشي في أمسية بيت السني الرمضانية وكان جالسًا بهدوئه الموسوم بطبيعيته اللافتة محشورًا بين الضيوف يتكلم متى ما بادره احد ويذهب إلى هدوئه الرائق فيما بين ذلك وكأنه ينحسر إلى جزيرة وحده رغم موج الماء الذي يلمس اقدامها.. وكان لي ان استرجع تاريخًا مضيئًا لرجل لا يحمل ابهاراته معه (مثل كثيرين) ولكنه يخلص بعاديته السادرة ويترك ابهاراته باقية في اعماله التي غادرها.. اجمل ما في جميل انك تحب ان تقول عنه اشياء وانت في كامل انعتاقك من كل مغريات الدنيا.. تتآلف معه خارجا وتتآلف مع ضميرك داخلًا.
هذا الرجل السادر عنصر من ملحمة لم يسجلها التاريخ كما يجب كل يوم يمضي يجرنا بعيدًا عن مواقف استثنائية في بناء الأمم ولم يجر في علمنا بناء دولة في أي عصر مثل ما جرى لهذا البلد في انطلاقة جامحة فالتة قبل ثلاثة عقود.. لما قرر بالفعل بناء هذا البلد بالتجهيز التحتي باحجامه الخرافية وببناء اكبر منطقتين صناعيتين في مكان واحد بالدنيا.. وكان هناك رجال افذاذ في عين الزمن الفريد.. وكان هناك رجال انتفخوا وذهبوا.
ويضيف: كان جميل رجل بناء من الطراز الأول وكأن قدره أعده لهذه المرحلة لقد عصر كل خلية حب في قلبه لعمله ورسخ تقليدًا من الانجاز ومن النزاهة ومن هذه اللعبة الادارية التي يبرع البعض فيها فيخرج بجاه ومال ويحبها البعض ولا يخرج منها إلا مثخنًا نصبًا متعبًا.. وجميل من البعض الآخر يخرج من اللعبة وقلبه مازال يجري في ساحتها لقد كان جميل دائمًا منجزًا مضيئًا وقدرات هادئة غير مدعية ذكية ومدثرة بجلال حكيم، ويخرج هذا الرجل العادي الذي يمر من كتفك في سوق قريته ولا تكاد ترمقه مزيجًا من العظمة المقتدرة ومن البساطة المقدرة خطان قدريان لا يخرج منهما جميل ولا يحيد.. خطان مرسومان بتتابع هندسي يبقيان قانونين في التحليل.
قلت له : ان غازي القصيبي ذكرك بجمل مجيدة في كتابه المعروف.. قال: ان الدكتور غازي تحيز.. اجبته ضاحكًا لماذا يتحيز؟ ليس في الدنيا من يعطيه جميل سببا للتحيز له.
في د. جميل صدق د. غازي.. بل كان مشهدًا من اشد مشاهده صدقًا.