لمن حمل قلمه فوق ألمه
سنة النشر : 01/02/2021
الناشر : ميسون الدخيل | صحيفة الوطن
من الصعب أن تجد الكلمات المناسبة، لتبدأ بها مقالة عن شخصية مرت في تاريخ الوطن وتركت تراثًا حفر بصخر الألم، وروي بأدمع الأمل، من أين نبدأ وأين ننتهي! قرأت في وقت ليس ببعيد عن رحيل الشخصية العظيمة أيقونة التطوع الأستاذ نجيب الزامل، فعلًا كان يومًا حزينًا ليس فقط لأسرته، ولكن أيضًا لجميع متابعيه من أبنائه وبناته، الذين أثر في حياتهم، حيث غرس في روح كل واحد منهم زهرة، وتركها لتثمر وتنثر عبقها الجميل على من حولها.
لن أتحدث هنا عن سيرته أو حتى مسيرته، فمن يرغب في ذلك يستطيع أن يضع اسمه وسيجد صفحات وصفحات تسرد بالتفصيل الدقيق كل ذلك، ولمن يريد أن يعرفه أكثر فليرجع إلى مقالاته، التي كان أكثرها عبارة عن ردود على أسئلة كانت تصل إليه من القراء، فقد كان حريصًا على أن يرتقي بثقافة الأجيال الشابة ويعطيهم جل اهتمامه، ولم يكن يهمل أي رسالة تصل إليه أو تساؤلًا، هكذا كان حريصًا على التواصل معهم.
كان سيد الكلمات، يعرف كيف يوصل الفكرة إلى القراء بكل سلاسة، دون تعالٍ أو استعراض، رغم أنه كان موسوعة من المعلومات، فقد كان يقرأ ويحلل ويستمر في البحث والتقصي، ليخرج إلى قرائه بالمعلومات الصحيحة والدقيقة، والأهم من ذلك كله تقديمها بشكل مريح ومبسط مع إضافة بعض مرئياته والتي كانت دائمًا عبارة عن إضاءات في فضاء الفكر والسلوك والتنمية الذاتية.
لقد كان نهر العطاء ومشعل الفكر وقلب الأبوة، جمعها في باقة كانت تنهمر مع كلماته، لأبنائه وبناته من القراء والمتابعين والمتابعات، بل كان يستغل كل فرصة ليردد عليهم: «أحبكم»، قلبه الكبير كان ينبض بحبهم، ولم يكن ينساهم حتى في أوج سويعات ألمه! ولن أجد صورة تعبر عما كان نجيب الزامل أفضل من تلك التي تجلت في رسالة، كان فيها يحدث ابنته الوحيدة «نورة»! رسالة محبة ضمن مجموعة كان يداوم على كتابتها لها، ليشجعها في كل خطوة كانت تخطوها في الحياة.. وهل هناك أرق أو أجمل أو أعمق من كلمات أب لابنته، خاصة أنها كانت تخرج من قلب صاحب قلم وفكر وريشة، تخط أجمل العبارات على صفحات حياة فلذة كبده؟!.
مهما تحدثت عنه فلن أستطيع أن أصل إلى ذرة مما حملته عباراته من المعاني والصور المعبرة عن الحب والعطاء والخير والأمل، نعم كل ذلك في رسالة واحدة، فكيف ببقية الرسائل التي جُمعت في كتابه «رسالة إلى ابنتي».
لن أطيل عليكم وسأترككم مع كلمات سيد الكلمات إلى ابنته، وهذه المشاركة عبارة عن دعوة لكل شبابنا إلى البحث عن أعماله، حتى ينهلوا من نهر العطاء والفكر، فليس هنالك من هو أصدق من ابن الوطن حين يتحدث ليرتقي بشباب الوطن:
«رسائل نورة التشجيعية.. بدأتُ أرسل إلى ابنتي الوحيدة نورة» بناءً على طلبها«رسائلَ تشجيع يومية، وأحببت أن أشارككم هنا بأول رسالةٍ بعثها الأبُ المحب لابنته التي تربعت على قلبه كاملًا فامتلكته، أخذَتْهُ منّي قسرًا، ولا يمكن ولا أريد استعادته، ابنتي اسمها نورة، على اسم أمّي، هي طفلتي وملاكي مهما تبدّلت الأيامُ وتقلّبت. واستجبتُ بالطبع، قد لا تكون الرسائلُ فريدةً ولا عظيمة الصياغة.. ولكن الأكيد أنها صادقة المشاعر، وهل هناك أصدقُ شعورًا من أبٍ مُوَلَّهٍ بابنته! تقبلت نورة بحماسة تلك الرسائل طبعًا، أليستْ من أبيها؟! ونيّتها أن تجمعها في كتاب.. الله يعين».
«أميرتي العزيزة، كيف يكون بمقدورك أن تعرفي إن كان قلبُكِ مفتوحًا رحبًا، أم مقفلا ضيقًا؟ الإجابة يا صغيرتي الحبيبة بسيطة، هل أنتِ تهتّمين بالآخرين يا نورة؟ وهل هو اهتمامٌ سِمَته التواصل، أم أن كل اهتمامك فقط يقتصر على نفسك، وكأن الكوكبَ يدور حولك فقط؟ هل تستقطعين وقتًا يا ابنتي لتحدثي تغييرًا إيجابيًا في حياة الآخرين، أو حتى في لحظاتهم الصغيرة المتأزّمة؟ هل تشجعينهم من قلبك، وتقفين معهم، وتدعمينهم حتى تمر اللحظة، وهي لابد أن تمُر، ولكن سيكون لك مساهمة في جعل أثرها حسَنًا، أو أقلّ ألـَما؟ هل تصرّين يا نورة على منح ذلك الإشعاعَ المفعم بطاقة الإيمان والثقة بمن اهتزت ثقتهم بأنفسهم، حتى يستعيدوا ما ضاع من الثقة، وما تشتت من قوة الإرادة الذاتية؟ هل أنت يا نورة تتبعين ذلك الشلاّلَ الإنساني من المحبة الذي وضعه اللهُ في قلبك، لتلمّس حاجاتِ الآخرين.. دائمًا؟ متى كنتِ كذلك، يا هبة الله لي، فقلبك مفتوحٌ رحْب. وأنتِ الآن، بإذن اللهِ، من الفائزين... بابا».
«بابا» يا إلهي كم اشتقت إلى هذه الكلمة، حملت الكثير ببساطتها وعفويتها. عندما قرأت رسالته شعرت وكأن أبي رحمه الله عاد ليحدثني، بل أكثر من ذلك، وجدت أنني سرت على تلك الخطى التي رسمها لي وبأنني لم أخذله، فالمشاركة بالعلم والمعرفة في غلاف من المحبة والعطاء، كانت دومًا ديدنه الذي تركه لنا في سيرته العطرة، قد أكون فقدته صغيرة، ولكن ظل الأب يبقى معنا إلى أن نلتقي في ملكوت الرحمن.. أرجو أن أكون بعرض رسالته قد حركت لديكم نفس المشاعر وتركت في وجدانكم الأثر نفسه.
رحم الله نجيب الزامل أبا المحبة وأيقونة العطاء ومشعل التطوع، وأسكنه فسيح جناته.